محمد رضا حميدوش
الرباط – ينهج المغرب منذ عقد تقريبا، تفعيلا للتعليمات الملكية السامية، سياسة للهجرة واللجوء تتميز ببعدها الإنساني وتحترم كرامة وحقوق المهاجرين، وتجعله يحظى بإشادة قوية على المستوى الدولي.
وبفضل سياسة الهجرة الشاملة، الإنسانية والواقعية والمتضامنة، تحول المغرب إلى أرض استقبال وكرامة حيث يتمتع اللاجئون والمهاجرون بالحماية الكاملة والولوج، على قدم المساواة إلى جانب المواطنين المغاربة، إلى التعليم والسكن والصحة والتكوين المهني والتشغيل.
وتكرس هذه السياسة الرائدة والشاملة والمسؤولة، التي تقوم على التدبير الإنساني للحدود في ظل التحولات الكبرى التي تعرفها ظاهرة الهجرة على المستويين الإقليمي والدولي، الأسس الدستورية للمملكة ودينامية حكامة في مجال الهجرة ترتكز على مبادئ حقوق الإنسان ونموذجا بارزا لحماية المهاجرين والأشخاص في وضعية هشاشة.
وتعكس هذه السياسة، المتميزة بعمقها الإنساني الرامي لحماية المهاجرين، اتساق مقاربة السلطات المغربية في استمرارية هذا المسار الاستراتيجي الذي رسمته الرؤية الملكية السامية في سنة 2013 المتعلق بتنفيذ استراتيجية وطنية جديدة دامجة وإنسانية للهجرة واللجوء.
– عملية تسوية أوضاع المهاجرين : المغرب يعطي النموذج
وبالفعل، فقد مكن تنفيذ هذه الاستراتيجية الوطنية الجديدة بشأن الهجرة واللجوء من إطلاق عمليتين استثنائيتين سنتي 2014 و 2016 لإدماج المهاجرين المقيمين بشكل غير قانوني في المغرب، مكنتا من تسوية وضعية أكثر من 50 ألف أجنبي، معظمهم ينحدر من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وتمثل الغرض من تسوية أوضاع المهاجرين المقيمين بصفة غير قانونية بالمغرب في تمكينهم من التمتع الكامل بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية وتسهيل اندماجهم في سوق الشغل.
وتعد هذه السياسة غير المسبوقة لإدماج المهاجرين على المستوى القاري بالنسبة للمملكة خيارا إراديا يساهم في إغناء تنوع وحيوية المجتمع المغربي، الذي تأسس منذ آلاف السنين
على نموذج مثالي للانفتاح على الآخر وكرم الضيافة والتلاقح الثقافي والحضاري، بحيث تستند أهداف هذه السياسة إلى نظام قيمي للتضامن يشكل جوهر المجتمع المغربي منذ القدم.
وفي ظل استمرارية هذه الاستراتيجية التي تكرس التوجه الإفريقي البارز للمملكة، الذي يقوم على مقاربة تضامنية وشاملة، يستقبل المغرب في جامعاته أزيد من 12 ألف طالب من دول إفريقيا جنوب الصحراء، يستفيد 90 في المائة منهم من منح دراسية تقدمها حكومة المملكة المغربية.
كما يتمثل البعد الإنساني في النموذج المغربي لتدبير الهجرة في عمليات العودة الطوعية التي تنظمها المنظمة الدولية للهجرة لصالح المهاجرين الراغبين في العودة إلى بلدانهم الأصلية، في ظل الاحترام الكامل لحقوقهم وكرامتهم وبتنسيق مع الدول الافريقية. وقد استفاد أكثر من 8100 مواطن إفريقي من هذه العمليات منذ سنة 2018.
– المغرب أرض استقبال للمهاجرين
وفي السياق ذاته، حرص المغرب في فترة الأزمة الصحية لجائحة “كوفيد-19” على استفادة المهاجرين واللاجئين من حملة التطعيم ضد الوباء، ويفكر اليوم في سبل توسيع ولوج الأجانب المقيمين بالمغرب إلى ورش تعميم الحماية الاجتماعية الطموح.
وحرصا منه على تعزيز التدبير الإنساني للحدود، اعتمد المغرب خلال سنة 2020 ترسانة من “المساطر المعيارية لنظام توجيه والتكفل بالمهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر أو توقيفهم في الحدود”، وذلك من أجل تنظيم عملية الاستقبال والتوجيه والتكفل بالمهاجرين حسب وضعهم، سواء كانوا مهاجرين لأسباب اقتصادية أو طالبي لجوء أو ضحايا للعبودية.
من ناحية أخرى، وعلى عكس دول أخرى بالمنطقة التي لا تؤمن بالرهان الجماعي، فإن المغرب يعتبر دولة ذات مصداقية وشريك موثوق به على المستوى الإقليمي، يتحمل مسؤولياته المرتبطة بمراقبة الحدود ومكافحة كل أنواع التهريب الحدودي بما في ذلك تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر.
وبفضل كل هذه الجهود، يعد المغرب من أوائل دول الجنوب التي تبنت سياسة تضامن حقيقية لاستقبال المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، حسب مقاربة إنسانية متكاملة تضمن حماية حقوقهم وتحفظ كرامتهم.
وبهذا الخصوص، تمثل المملكة نموذجا يحتذى للعديد من دول القارة، لكونها أول دولة عربية تتبنى مثل هذه السياسة، وبالتالي يحق لها أن تفخر بكونها واحدة من أولى الأمم التي صادقت على معاهدة جنيف.
لقد أثار تفعيل هذه الاستراتيجية الوطنية غير المسبوقة على المستوى الإقليمي ردود فعل إيجابية على مستوى الدول والمنظمات الدولية، جعل المملكة تحظى باعتراف دولي وقاري، توج باختيار صاحب الجلالة الملك محمد السادس كرائد للهجرة في إفريقيا.
كما أنه في إطار جهود المغرب الإنسانية لحماية كرامة وحقوق المهاجرين وضحايا المافيا والجريمة المنظمة، أنقذت البحرية الملكية المغربية أكثر من 17 ألف شخص في عرض البحر بين سنتي 2021 و2022، وفككت أكثر من 1300 شبكة للاتجار بالبشر والهجرة السرية خلال السنوات الخمس الماضية فقط.
وهكذا، ترتكز المقاربة المغربية على حماية حقوق المهاجرين، ليس فقط في الحدود البرية أو البحرية، ولكن من منظور أوسع يشمل ما بعد العودة من قبيل التكفل والتوجيه والمرافقة عبر مشاريع معيشية بديلة من خلال ضمان الاندماج أو منح فرصة ثانية تتمثل في العودة الطوعية.