في ظل التعقيدات البيروقراطية التي تواجه المواطنين الراغبين في ممارسة أنشطة تجارية بمدينة طنجة، تتحمل السلطات المحلية والمنتخبون جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن الوضع الحالي، فرغم أن هذه المدينة تُعدّ من بين الوجهات الاستثمارية الواعدة بالمغرب، إلا أن العراقيل الإدارية باتت أحد الأسباب الرئيسية للركود الذي تشهده خلال السنوات الأخيرة.
فإلزام أصحاب المحلات التجارية، حتى الصغيرة منها، بالحصول على تصميم تعديلي مرخص عند القيام بأشغال التهيئة لاستغلالها تجاريًا، يعدّ تجسيدًا للبيروقراطية المفرطة، هذا الإجراء يجعل مشاريع بسيطة مثل المقشدات أو المقاهي مثلا تُعامل وكأنها استثمارات كبرى، وهو ما يضع أصحابها أمام مساطر طويلة ومعقدة، تبدأ من منصة “رخص” ولا تنتهي إلا بعد شهور من الانتظار.
الأدهى أن السلطات المحلية والمنتخبة لم تتحرك لمعالجة هذه الإشكالية، رغم علمها بآثارها السلبية على الاستثمار المحلي والتشغيل، ففي الوقت الذي تحتاج فيه المدينة إلى مبادرات فاعلة لدعم اصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تظل الإدارة مشلولة أمام هذه الإكراهات، مكتفية بتطبيق ضوابط البناء لعام 2019، التي لا تميز بين المشاريع الكبرى والصغرى.
هذه الوضعية أصبحت اليوم تساهم بشكل مباشر في تعطيل الاستثمار المحلي وخلق فرص العمل، وتزيد من معاناة التجار الصغار الذين يجدون أنفسهم عالقين بين متطلبات الكراء وتسديد الديون وأداء أجور العمال، كل هذا يجري في ظل غياب رؤية واضحة من السلطات المنتخبة والإدارية، التي يُفترض أن تكون في طليعة المدافعين عن تحسين بيئة الأعمال وتبسيط المساطر وليس تعقيدها.
مدينة طنجة، التي كانت حتى فترة قصيرة تُعدّ من بين المحركات الاقتصادية الكبرى في المملكة، أصبحت اليوم تعاني من ركود واضح نتيجة مثل هذه السياسات الإدارية، فحتى مغاربة العالم، الذين كانوا يعتبرون طنجة وجهة مفضلة للاستثمار، أصبحوا يشعرون بالإحباط من هذه العراقيل، خاصة عند مقارنتها بالمساطر السهلة التي يواجهونها في بلدان إقامتهم.
والأكيد أن استمرار هذا الوضع دون تدخل حازم من السلطات المحلية والمنتخبين سيؤدي إلى تراجع جاذبية المدينة بشكل أكبر، السلطات المحلية مطالبة اليوم بالتحرك بشكل عاجل لمعالجة هذه الاختلالات، من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية وإعادة النظر في تصنيف المشاريع، بما يراعي طبيعتها وأهميتها الاقتصادية، مع فتح حوار مع أصحاب المشاريع الصغيرة لإيجاد حلول فعالة تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي وخلق بيئة استثمارية مشجعة تتماشى مع تطلعات الساكنة.
وقد شكل فتح باب الترشيح لشغل منصب رئيس القسم الاقتصادي بولاية طنجة بادرة محمودة، حتى وإن جاءت متأخرة، إذ تبقى غير كافية في ظل غياب رؤية شاملة وإجراءات عملية لمعالجة الإشكاليات القائمة، فالمطلوب اليوم ليس فقط استحداث مناصب أو تغيير المسؤولين بمنطق الساكن مبنى الولاية، بل تبني سياسات وإصلاحات ملموسة تستهدف تبسيط المساطر الإدارية، وتحسين العلاقة بين المواطن والإدارة، وتوفير بيئة أعمال تنافسية وجاذبة للاستثمار، تعيد لمدينة طنجة مكانتها الاقتصادية المتميزة.
المستقل