
محمد الشيخ بلا.
في الآونة الأخيرة، طفت على السطح الافتراضي بعض “التحليلات” التي تتحدث عن المجلس الإقليمي لتيزنيت وميزانيته، في محاولة جديدة لإطفاء وهج كل منجز، وتبخيس أي خطوة إيجابية يحققها الإقليم.
وليس غريبا أن تظهر مثل هذه الأصوات في هذا الوقت بالذات، فالتجربة تؤكد أنه كلما ارتفعت وثيرة الإنجاز، كلما ارتفعت حملات التشويش، وهذا دليل واضح على مستوى العمل الجاد في الواقع والميدان.
فبعد أن عقد المجلس الإقليمي لتيزنيت دورة استثنائية ناجحة، تميزت بالمصادقة بالإجماع على جميع اتفاقيات الشراكة المبرمجة في جدول أعماله، والتي يفوق مبلغها الإجمالي 40 مليون درهم (أزيد من 4 مليار سنتيم)، وبعد أن تم تدشين مشروع طريق هيكلي بجماعة أربعاء أيت حمد بإقليم تيزنيت، تزامنا مع الذكرى 70 لعيد الاستقلال المجيد، على مسافة تقدر ب 15 كلم، وبمبلغ إجمالي يصل إلى مليار و945 مليون سنتيم، في إطار اتفاقية تجمع بين المجلس الإقليمي لتيزنيت، ووزارة الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات، صار من الطبيعي أن يتحرك دعاة التيئيس والتشويش، على اعتبار أن المنجزات الواقعية أصبحت تحرج خطاباتهم وتنسف جل مزاعمهم، بل تضربهم في مقتل.
وما ورد في مضمون “التحليلات” المذكورة، ليس تحليلا ماليا ولا قراءة مسؤولة وموضوعية بالمعطيات الدقيقة، بل هو خليط من التضليل، وسوء الفهم، وخليط من الادعاءات التي لا تستقيم مع القانون ولا مع المنطق الإداري والتدبيري.
ولذلك، وحفاظا على حق الرأي العام في المعلومة الدقيقة، ومساهمة في وضع الحد لعدد من الخطابات التي تخلط بين الجهل والاتهام، أقول:
أولا: الحديث عن وجود نزيف ميزانياتي بالمجالس، هو مجرد خطاب دعائي بلا أساس قانوني، فمن يصف العجز التقني في ميزانيات الجماعات الترابية بأنه “نزيف” يكشف بوضوح غيابا فاضحا لفهم النظام المالي المعتمد بالجماعات، فالمحلل يجهل -أو يتجاهل- (أترك لكم الترجيح بين الجهل والتجاهل)، أن العجز المعلن في الميزانيات الترابية، يعتبر آلية قانونية عادية جدا، ومعمول بها في جميع المؤسسات المنتخبة، فالقانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم على سبيل المثال، والمراسيم الوزارية المؤطرة لمالية الجماعات، تتيح للمدبر العمومي إبراز الحاجيات الفعلية للإقليم خلال مرحلة إعداد الميزانية، كما تتيح له إجراء قراءة ثانية للميزانية بناء على معطيات التسيير لديه، وذلك إلى حين إقرار دعم مركزي من وزارة الداخلية، مبني على وثائق ومؤشرات، حيث يتم اللجوء لقراءة ثالثة بهدف تحقيق التوازن الميزانياتي المطلوب، ووصف هذا الإجراء القانوني والطبيعي والعادي بـ”النزيف” يعكس تسطيحا مؤسفا للموضوع.
علما، أن معظم المجالس المنتخبة – بما فيها الجهات والعمالات – تعتمد أحيانا على عجز تقني ينتظر تحويلات الدولة، وهذا أمر قانوني ومنصوص عليه في القوانين التنظيمية، وفي مذكرات وزارة الداخلية المتعلقة بإعداد الميزانيات، وهو نفس الأمر الذي يحدث في معظم العمالات والأقاليم، وليس في إقليم تيزنيت لوحده.
ثانيا: تدخل وزارة الداخلية يعتبر عاديا وضروريا في الآن نفسه، بل هو جزء من اختصاصاتها الرقابية العادية، فالوزارة توافق، وتراقب، وتواكب جميع العمالات والأقاليم، ومن يحاول تصوير هذه الممارسة المؤسساتية باستحضار قاموس الأزمة، إنما يختلق أزمة وهمية، لا تدور إلا في مخيلته.
أضف إلى ذلك، أن التحليل المالي لا يقوم على القص واللصق (Couper et coller)، ولا على النفخ في لغة العجز لإثارة الانتباه، بل يقوم على التمييز بين العجز البنيوي والعجز التقني، وعلى فهم سياق وضع الميزانيات، ودور الدولة في مواكبة الجماعات.
ثالثا: سرد بعض الأرقام دون فهم سياقها المالي ترويج لصورة مغلوطة لا علاقة لها بالواقع، فالمحللون يتعرضون لبعض أرقام العجز بخطاب تهويلي، لكنهم يخفون عمدا وقسرا حقائق أساسية، من قبيل كون حجم العجز مرتبط أساسا بحجم المشاريع وبرامج الاستثمار، فكلما توسعت المشاريع المهيكلة، كلما ارتفعت الحاجيات المالية، وهذا مؤشر واضح – وضوح الشمس- على دينامية المؤسسة وفعاليتها، وليس علامة على فشلها أو خمولها، والواقع كشاف، والزمن كشاف.
فكلما كان الإقليم يطلق مشاريع وبرامج اجتماعية، من قبيل الطرق والتجهيزات الأساسية، والماء، والنقل المدرسي، والبرامج الاجتماعية المختلفة، كلما ارتفعت الحاجيات في الميزانية، وبالتالي يظهر العجز التقني، ولا شيء غير العجز التقني، والعجز هنا -اعيد مرة أخرى- دليل على الدينامية والحركية، وليس دليلا على التخبط والأزمة.
فهل يريد صاحبنا / أصحابنا ومن يقف وراءه / وراءهم، أن يتحرك الإقليم بلا شركاء، وبلا شراكات !؟
رابعا: الاتفاقيات ليست ستارا للأزمة كما يدعون، بل هي الإطار القانوني الأنجع لإنجاز المشاريع، ومن المخجل أن يتم تقديم الشراكات كأنها عملية تمويه، في الوقت الذي تعتبر فيه الاتفاقيات والشراكات، إطارا قانونيا والتزاما لإنجاز أي مشروع مشترك، كما تعتبر أداة لحشد التمويل المتعدد المصادر، بل هي جزء من فلسفة التدبير التشاركي المنصوص عليها دستوريا، ومن يجهل هذه الحقائق -أو يتجاهلها- لا يحق له تقديم نفسه كمحلل مالي.
العجز الذي يردده البعض دليل واضح على حجم الأوراش المنتهية والجارية والمبرمجة، وإذا كان الأمر كما تصورون، وتتوهمون، فلماذا تتم الموافقة على الميزانيات والبرامج التي يقترحها ويقررها الإقليم؟
ولماذا يستمر الشركاء في تمويل المشاريع المبرمجة كل سنة، بل في كل دورة؟
ولماذا يتم فتح الأوراش، وإطلاق الصفقات، وتدشين المشاريع المنتهية؟
ومن يريد أن يناقش هذا الموضوع، يجب أن يعي ويفهم أولا أن الميزانيات الترابية تبنى على البرمجة، وعلى المشاريع والشراكات، كما تبنى أيضا على مواكبة الدولة.
خامسا: جماعة تيزنيت طرف أساسي في برامج الإقليم، ومن الطبيعي أن تمول وتساهم كغيرها من الجماعات، ومن الطبيعي أيضا أن تبحث عن شركاء في مشاريع داخل نفوذها الترابي، ومن الطبيعي أن تساهم في تجهيزات ومرافق تخدم سكانها، وتشارك في تمويل برامج مشتركة، ولكن الذي ليس طبيعيا، في هذا المشهد السريالي هو تصوير جماعة تيزنيت بكونها تمول عجز المجلس الإقليمي، وهو افتراء يدحضه القانون والواقع، فالجماعة تمول مشاريع داخل ترابها، وتساهم في اتفاقيات تستفيد منها ساكنتها، تماما كما تفعل بقية الجماعات بالإقليم، ولا يمكنها قانونا وبأي شكل من الأشكال أن تغطي عجز مجلس آخر.
سادسا: من يبيع الوهم هو من يختزل سنوات من العمل في أمور متوهمة، دون أن يشير ولو بكلمة واحدة إلى حجم البرامج المنجزة والجارية، وحجم الشراكات المعبأة، وحجم المشاريع التي تجاوزت في أثرها حدود الجماعة التي ينتمي إليها، ولكن الذي يشفع لهم في كل ذلك – ببساطة- هو أنهم لا يبحثون أبدا عن الحقيقة، ولا عن الموضوعية، بقدر ما يبحثون عن “البوز” والعناوين المثيرة.
وخلاصة القول، إن العجز المعلن قانونيا جزء من آليات البرمجة المعتمدة، وليس مؤشرا على أي انهيار، ومن يتجرأ على تقييم ميزانيات الجماعات الترابية بهذا القدر من الجهل والمغالطات، لا ينبغي أن يناقش انطلاقا من أوهامه وخيالاته السياسية الضيقة، بل ينبغي أن يناقش المالية بتجرد وبموضوعية، بعيدا عن الأهواء والمزاج والتسطيح، والمجلس الإقليمي لا يحتاج لتجار الضجيج المصطنع، بقدر ما يحتاج إلى من يحترم المؤسسات وبحترم قراره التنموي ويستوعب القانون، خاصة إذا كان يتحدث من موقع المستشار الجماعي أو الفاعل المحلي، أو المتتبع للشان العام، أو حتى من موقع الباحث عن شيء ما، ومن يجهل الإطار القانوني لمثل هذه المواضيع، لا ينبغي أن يضع نفسه في موقع الواعظ المالي أو الاقتصادي، لأن من يكتب بهدف التشويه والتبخيس، لا ولن يملك جرأة عرض الصورة بأكملها، لأنها الصورة الكاملة -بكل بساطة- لا ولن تخدم روايته المنبطحة.
التنسيق والالتقائية أدوات لحشد التمويل المتعدد، والميزانيات لا تُسير بالمزاج ولا تُقرأ بالتسطي

