كشف تقرير “الفيفا” الأخير عن المدن المرشحة لاستضافة مباريات كأس العالم 2030 نقاط ضعف جوهرية بمدينة طنجة، أبرزها النقل الحضري، الازدحام، والطاقة الاستيعابية الفندقية، ففي الوقت الذي أثار هذا التقييم موجة من النقاش والجدل في الأوساط المحلية، جاء رد عمدة طنجة، منير ليموري، ليعكس محدودية الرؤية وحجم العجز في التعامل مع المشكلات الهيكلية التي تعاني منها المدينة.
حصول طنجة على 2.2 في الإقامة و2.6 في النقل، من أصل 5، لم يكن مفاجئًا لسكان المدينة والمتابعين لشأنها، على اعتبار أن هذه الأرقام تعكس واقعًا يتسم بجمود المشاريع التنموية، وضعف البنية التحتية، وعجز السلطات المحلية عن الاستجابة لمتطلبات النمو المتسارع للمدينة، وبالتالي ورغم ما تتمتع به طنجة من موقع استراتيجي ومؤهلات طبيعية، فإنها تجد نفسها مكبلة بمشكلات مزمنة، أبرزها ضعف منظومة النقل العمومي وغياب التخطيط بعيد المدى.
تصريحات العمدة للأسف جاءت لتؤكد محدودية رؤيته في معالجة هذه المشكلات، فبدلًا من التطرق إلى حلول شاملة للنقل الحضري، اكتفى الرجل بالإعلان عن عقود جديدة مع شركة النقل الحضري، وكأن المشكلة تكمن في الشركة الحالية فقط.
أما على مستوى الطاقة الفندقية، فقد اقتصر الرد على “تشجيع الاستثمار” و”تسريع التراخيص”، وهو طرح يبدو سطحيًا في مواجهة مشكلات أعمق تتعلق بالبنية التحتية السياحية، وما يزيد من حدة الانتقادات هو تهرب العمدة من الاعتراف بالمسؤولية السياسية عن هذا التقييم المتدني، بدلًا من البحث عن حلول جذرية، تُحيل تصريحاته إلى محاولات لتبرير الإخفاقات أو تحميلها لجهات أخرى، متجاهلًا دوره في تدبير هذه الملفات خلال فترته الانتدابية.
التقييم كشف أيضًا عن تفاوت كبير بين طنجة ومدن مغربية أخرى، فملعب طنجة الكبير، الذي كان من المفترض أن يكون رافعة لاستضافة الأحداث الكبرى، يعاني هو كذلك من بطء غير مبرر في أشغال التطوير مقارنة مع السرعة القياسية التي تشهدها مشاريع مشابهة، أما بالنسبة للنقل، فغياب مشاريع كبرى مثل الميترو أو الترامواي، وفشل منظومة الحافلات الحالية، يضع المدينة في مأزق أمام تحديات الاستضافة، خاصة مع الازدحام الذي يجعل التنقل داخل المدينة تجربة مرهقة للسكان والزوار على حد سواء.
إضافة إلى ذلك، فإن تحديث المخططات المديرية، التي تُعدّ كل 20 عامًا، وخاصة تلك المتعلقة بحركة السير والتخطيط العمراني، أصبح ضرورة ملحة للمدينة، هذه المخططات تشكل العمود الفقري لأي سياسة تنموية حضرية، صحيح أن العمدة لا يتحمل فيه أي مسؤولية، لكن المؤسف أن هذا الجانب يغيب تمامًا عن أجندة العمدة، الذي يبدو أنه يدير شؤون المدينة بشكل ارتجالي بعيد عن رؤية استراتيجية، بتدبيره هذا ومبرراته غير مقبولة، أهان العمدة أهل طنجة، ومرغ سمعة مدينتهم في التراب، بدل أن يكون ممثلًا حقيقيًا لطموحاتهم وتطلعاتهم.
طنجة اليوم في حاجة الى قيادة حقيقية قادرة على استشراف المستقبل بنوع من الجرأة والشجاعة، بحاجة إلى مقاربة جذرية تتجاوز العقود مع شركات النقل أو تسهيل تراخيص الفنادق، المطلوب اليوم وأكثر من ذي قبل هو خطة شاملة تشمل تطوير البنية التحتية، الاستثمار في مشاريع نقل حديثة من الجيل الجديد، كما أن إعادة النظر في التخطيط العمراني وحركة السير من خلال تحديث المخططات المديرية بشكل دوري يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية المستقبلية.
التقييم المتدني ليس مجرد ورقة صادرة عن الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، بل هو تحذير صريح للمدينة وسلطاتها، فإذا كانت طنجة ترغب في الحفاظ على مكانتها وتعزيز دورها كوجهة عالمية، فإن عليها تجاوز مرحلة التبريرات والدخول في مرحلة الفعل، وإلا فإنها ستبقى عالقة في حلقة مفرغة من الإخفاقات المتكررة، مع انعكاسات سلبية على سمعتها ومكانتها الوطنية والدولية.
المستقل