الصحافي أمين بوشعيب – ايطاليا
سجلت عملية “مرحبا 2023” لاستقبال الجالية المغربية المقيمة بالخارج، والتي انطلقت ابتداء من 5 يونيو الماضي، ارتفاعا في أعداد الوافدين عبر مختلف نقط العبور المينائي بحوالي 28 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، واعتبر وزير النقل واللوجستيك محمد عبد الجليل أن هذا يرجع أساسا إلى مناسبة عيد الأضحى.
لكن المغاربة دأبوا منذ الجيل الأول على قضاء عطلتهم الصيفية كل سنة بوطنهم الأم، سواء تزامنت عطلتهم بمناسبة عيد الأضحى، أو لم تتزامن معها. ولعل سبب تسجيل أرقام قياسية في حركة العبور بين المغرب وإسبانيا من طرف الجالية المغربية، خلال هذه السنة، يعود إلى وباء كورونا، حيث تم إلغاء عملية مرحبا لسنتين متتاليتين، وفتح حركة العبور بشكل محدود في السنة الماضية.
الحكومة المغربية الحالية اهتمت -كباقي الحكومات السابقة- بعملية عبور المغاربة، حيث أكد وزير النقل واللوجيستيك، إلى أن حكومته وفرت إمكانيات كبيرة من أجل تسهيل عملية عبور الجالية، من أجل نقل نصف مليون شخص في الأسبوع الواحد. من خلال توفير 538 عملية عبور أسبوعية بين المغرب وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا.
لكن ماذا بعد كل هذا الاحتفاء؟ وهل كان مغاربة العالم راضين على ذلك؟
كما جرت العادة كل سنة، قضيتُ عطلتي الصيفية في المغرب، ليس لمشاركة الأهل والأحباب فرحة عيد الأضحى فحسب، وإنما -وهذا هو الأهم- من أجل صلة الرحم مع ذوي القربى والأصدقاء. وكذلك يفعل كل مغاربة العالم. وهناك التقيتُ ببعض أفراد الجالية المغربية، فوجدت أكثرهم ساخطين على “الاحتفاء” الحكومي بهم، إذ عبروا لي عن صدمتهم من موجة الغلاء جراء الارتفاع “المبالغ فيه” الذي طال مختلف الخدمات، وأبدوا عدم رضاهم عن أسعار الخدمات بالفنادق والمجمعات السياحية، والمطاعم ومحلات تقديم الأكل وغيرها. بل إنهم استغربوا بأن هذه الأسعار تفوق نظيرتها في الدول الأوروبية، وهو ما فسروه بأن الحكومة تستهدف جيوبهم بشكل خاص.
ومن خلال تتبعي للوضع خلال الفترة التي تواجدت فيها بالمغرب، تبين لي أن الحكومة فعلا قد تعمدت ذلك من خلال صمتها وعدم تدخلها وهي ترى وتسمع فرض الزيادات المتكررة في أسعار المحروقات والتي فاقت أربع زيادات متتالية في أقل من شهر، على الرغم من الإعلان عن تحسن أثمنتها دوليا، وهو ما ساهم في استمرار غلاء الأسعار. الشيء الذي دفع أحد الفاعلين السياسيين إلى فضح هذه الأساليب بقوله “إن الحكومة عاجزة، لأنها خصم وحكم ولا يمكنها أن تتخذ إجراءات تضر بها أولا وبمكوناتها لأنها منشغلة بمصالحها الشخصية وغير مهتمة بالشعب، للدفاع عنه أمام الارتفاعات المتتالية للمحروقات”. مضيفا “أن الحكومة اليوم هي الخصم وهي الحكم لأن رئيسها هو فاعل أساسي في سوق المحروقات وأكبر الموزعين”، ومؤكدا “أن هذا التواطؤ أصبح رسميا وباديا للعيان بشهادة مجلس المنافسة في تقريره الأخير الذي أبرز تواطؤ شركات المحروقات على رفع الأسعار”
عجيب أمر مغاربة العالم مع الحكومات المغربية التي تعاقبت على حكم المغرب، فما الحكاية؟
الحكاية وما فيها، أن المغاربة الذين غادروا بلدهم لأسباب مختلفة، وأقاموا في بلد المهجر، لم ينسوْا وطنهم الأم، وبقُوا متعلقين به، يزورونه كلما أتيحت لهم الفرصة. وأكثر من ذلك، فقد كانوا يعملون ويجدّون في العمل لتوفير المال لإرساله إلى ذويهم، أو استثماره في المغرب. هكذا هي علاقة مغاربة العالم مع الوطن ومع إخوانهم المغاربة، علاقة تتّسم بالود والتعاون والتضامن، يتابعون أخبار الوطن وأحواله الاقتصادية والاجتماعية، ويهمّهم كذلك أوضاع الوطن السياسية، ويمنّون النفس أن تكون لهم مشاركة مباشرة في تسيير الشأن العام.
وعندما أعلن العاهل المغربي محمد السادس يوم 06 نونبر2005 في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء عن قرارات هامة تستجيب للمطالب السياسية لمغاربة العالم، اعتبروه يوما تاريخيا يجب أن ينقش في الذاكرة المغربية، ويتعلق الأمر هنا بتمكين مغاربة الخارج من أن يكون لهم ممثلون في البرلمان وإحداث دوائر تشريعية انتخابية بالخارج وفتح المجال أمام الأجيال الجديدة للتصويت والترشيح في الانتخابات وإحداث مجلس أعلى للجالية المغربية في الخارج.
ومنذ ذلك اليوم التاريخي، لم يتحقق شيء من تلك الوعود، وإن كان تمّ تأسيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، بموجب الظهير الملكي رقم 1.07.08 بتاريخ 21 دجنبر 2007. فإن أداءه كان باهتا وحصيلته كانت صفرا، لأن مغاربة الخارج لم يجنوا منه أي شيء.
نحن الآن في سنة 2023 والحكاية لم تنتهِ بعد، فإلى متى سيبقى هذا الملف رهينة للمزايدات السياسوية تتقاذفه أرجل الحكومات المتعاقبة في معترك الميدان السياسي؟ وإلى متى ستبقى الحكومات المتعاقبة تتعامل مع مغاربة العالم كالبقرة الحلوب أو كالدجاجة التي تبيض ذهبا آخر كل شهر؟ وهل المغاربة المقيمون في الخارج يطلبون المستحيل؟
كلا، إنهم لا يطلبون شيئا سوي تطبيق ما جاء في الخطاب الملكي، وبما جاء في دستور 2011، لذلك يجب على هذه الحكومة الإسراع في إصدار توصيات تمكّنهم من تمثيلية سياسية داخل مجلس النواب، ومجلس المستشارين، توصيات تمتعهم بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات” كما ينص على ذلك الفصل 17 من الدستور المغربي. هذا ما يطالب به مغاربة العالم، وهذه هي المساواة الحقيقية التي ينشدونها، دعما للتجربة الديمقراطية المغربية والمساهمة الفاعلة، في التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فهل هذا من المستحيلات؟
فلاش: على إثر الزلزال القوي، الذي ضرب عددا من مناطق وطننا الحبيب، والذي راح ضحيته عدد كبير من الوفيات والإصابات، أتوجه إلى الله العزيز الرحيم أن يتقبلهم عنده في الشهداء وأن يعجل بشفاء المصابين والجرحى وأن يعوض خيرا كل من تعرض لخسارة جراء هذا المصاب الجلل. وهي مناسبة لكل المغاربة سواء في الداخل أو الخارج إلى المسارعة لنجدة إخوانهم وتقديم كل ما يستطيعون من مساعدات وإغاثات دون تأخير. وهي مناسبة أيضا لنتساءل: أين لصوص للمال العام الذين اغتنوا من إفقار الشعب وسرقة خيراته؟ وأين الذين يتاجرون بالدين والاخلاق؟ وأين أرباب شركات المحروقات الذين نهبوا جيوب المغاربة؟ وأين أنت يا حكومة الملياردير عزيز أخنوش؟
كتب أحدهم: في الذكرى الثانية لحكومة أخنوش (8 أيلول/ شتنبر) لم يهتز المواطن فاهتزت الأرض تعبيرا عن الغضب: الغضب من الاحتكار، والظلم، والحݣرة، والفساد، وارتفاع الأسعار، وعدم الاكتراث بما يعانيه المواطن المغربي المقهور، فعذرا أيتها الأرض الغاضبة فلا حياة لمن تنادي!