بقلم : ذ. رفيق بلقرشي
“”شكلت القناعات الذاتية لدي دائما منطلقا للرؤيا ومنصة للمواقف و الممارسات .حيث كانت الرؤيا الاستراتيجية الجديدة لحزب الاستقلال : جذرية القوة الهادئة.
إحدى اهم اللحظات الفكرية والسياسية في المسار المتجدد للحزب .. المقال الذي اعيد نشره كنت قد كتبته سنة 2018 ونحن في مخاض حزبي جديد يرتكز على مقاربة فكرية وتنظيمية جديدة تعيد للحزب هويته وبصياغة متجددة للفكر التعادلي باستشراف للمستقبل.
تتيح أي قراءة أولية لكلمة الأمين العام لحزب الاستقلال الدكتور نزار بركة، التي ألقاها بمناسبة “أمسية الوفاء”، لتكريم رموز العمل المدني و الحزبي بتطوان يوم الجمعة 10 مارس الجاري، بمنزل زعيم الوحدة الوطني عبد الخالق الطريس، مناسبة سانحة للوقوف على مؤشرات رمزية عديدة دالة على الرغبة و الإرادة في ترجمة الوعي بضرورة تجسيد مشروع التغيير كدينامية متجددة حاملة لبذور تحول تاريخي نوعي في الممارسة السياسية للحزب، على قاعدة تفعيل العودة إلى الأصول و التشبث بها ضمن مشروع آستجابة خلاقة للراهن و إشكالياته المتعددة،تساهم في طرح البدائل، و تبلور أنساقا اقتراحية حاملة بتبصر و حكمة و حس عال بالتضامن لهموم المواطنين و انتظاراتهم.
و في هذا السياق الرمزي المؤطر للكلمة، كان لافتا للاهتمام أن تستهل بإعلان الوعي بضرورة تثمين علاقات التفاعل المثمر بين العملين السياسي و المدني، بعيدا عن أي مقاربة تفقيرية قائمة على تبخيس الفعل السياسي، بناء على تعويض وهمي للفعل المدني لأدوار و جدوى العمل السياسي الحزبي، انطلاقا من احترام فعلي للعقل و للتاريخ و المستقبل، في سياق طموح بناء رؤية سياسية فكرية استراتيجية تستوعب الحاجة إلى استثمار كل الطاقات و الاحتمالات و الإمكانيات، متعددة المصادر و الروافد و الأدوات، في بناء مشاريع حية للإستجابة الفعالة لانتظارات المواطنين.
و قد كان هذا التنبيه الضروري مدخلا مضيئا لتقديم الملامح الكبرى لإستراتيجية الحزب الجديدة الحاملة لمشروع التغيير الذي قاد مناضلات ومناضلي الحزب إلى محطة المؤتمر الأخير،و اختيار القيادة الجديدة، و الانخراط بحماس في دينامية رد الإعتبار للحزب و تجديد التموضع ضمن حركية الحياة السياسية الوطنية.
و إذا كان هناك من قيمة مضافة فعلية تاريخية لمرتكزات هذه الرؤية الإستراتيجية، كما يمكن استخلاصها من كلمة الأمين العام، فهي الإنحياز الواعي المبدئي لأهمية النقد و تجديد الفكر في صلب الممارسة السياسية، بحيث لا يمكن فهم العودة إلى الأصول كنوع من التقديس لفكر و ممارسة سياسيين محنطين، ثابتين عاجزين عن التجدد، و إنما كتشبع بمنظومة قيم تعيد للمرجعية التاريخية قيمتها السياسة و الأخلاقية في تغذية التفاعل الخلاق مع أسئلة الراهن و إشكالياته، و تجعل من التواصل و الاستمرارية، أداة لربط مشروع التغيير بجذوره الحيوية، و لوقف وجوه الاغتراب المتعددة عن التاريخ و المستقبل معا، لأن تجديد الفكر السياسي لا يمكن أن يعني بمنطق الضرورة و الحتمية، سوى تحمل المسؤولية أمام الماضي و الحاضر،في مشهد سياسي في حاجة حيوية إلى مصالحة شاملة مستدامة بين الجذور التاريخية و الآفاق المستقبلية، انطلاقا من تقدير و وعي بإشكاليات الحاضر المستعصية ،بعيدا عن التهويل و التسطيح معا.
من هنا يبدو فكر الحزب المؤمن بضرورة تجديد نفسه و أدواته، و تجاربه الممتدة عميقا في قلب الحياة السياسية الوطنية، عبر مراحل من الصراعات القاسية، و لحظات مضيئة من الإسهام في فك رموز الإستعصاء و الانحباس السياسيين إلى جانب الإنحياز المبدئي للمصالح العليا للوطن، أرضية لصياغة محاور رؤية سياسية استراتيجية تتخطى حدود رصد و تشخيص الواقع و إشكالياته، إلى المساهمة في بناء أنساق للتوقع و الإقتراح تساعد في تقديم الحلول و فتح آفاق الإنتقال و التطور في صيغ و آليات الإستجابة لهموم الوطن و المواطنين، التي يقع في صميمها المساهمة في بناء مشروع مجتمعي قائم على تقليص الفوارق الاجتماعية، عبر التصدي لظاهرة التوريث الجيني للفقر، ووقف تدهور أوضاع الطبقة المتوسطة، و اتجاهها المريع نحو السقوط في الهشاشة، و بناء نسق وطني لعدالة إجتماعية حقيقية محمية من النكوص و الانتكاس.
و في هذا السياق حددت الكلمة آليات الممارسة السياسية و التنظيمية الحزبية الكفيلة بالنهوض بالرؤية السياسية الإستراتيجية للحزب، على قاعدة طموح تحقيق التعادلية الاجتماعية و الاقتصادية، عبر تجديد الفكر السياسي للحزب،و تحسين الحكامة السياسية الحزبية، في سياق مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة،عبر آليات التعاقد التنظيمي و القيمي، و إعادة الإعتبار للحزب و تطوير مكانته و ضرورته ضمن المشهد السياسي الوطني، بالتأثير الخلاق في السياسات العمومية، لتستجيب توجهاتها لانتظارات المواطنين و في مقدمتهم الشباب و النساء و كل الشرائح و القطاعات المتضررة من واقع معاناة الهشاشة و التهميش و تعطيل الطاقات و القدرات.