الصحافي فؤاد السعدي
عندما صعد عزيز أخنوش إلى قبة البرلمان للرد على انتقادات برلمانية طالبت بوقف الاستفادة من الامتيازات التي يوفرها منصبه، ظهر خطابه مشبعًا بنبرة دفاعية تكشف عن نهج يتناقض مع ما يُنتظر من رئيس حكومة مسؤول عن إدارة شؤون شعب بأكمله، دفاع أخنوش لم يكن سوى استمرار لنهج قائم على تضارب المصالح، متذرعًا بعبارات فضفاضة لتبرير ممارسات تثير الشكوك حول مدى التزامه بمبادئ الحكامة والنزاهة.
أحد أبرز الأمثلة التي تعكس هذا النهج، صفقة تحلية مياه البحر بجهة الدار البيضاء-سطات، التي أثارت جدلًا واسعًا بسبب ظروف التفاوض والمساطر المعتمدة، فالمشروع، الذي يُعتبر استراتيجيًا على اعتبار اشكالية ندرة المياه التي تواجهها البلاد، انتهى بمنحه لتحالف شركات تضم مصالح يُعتقد أن لها ارتباطات مباشرة أو غير مباشرة برئيس الحكومة. هذا الجدل تعمّق أكثر مع إدخال تعديل ضريبي على مقتضيات قانون المالية لعام 2023، عندما تم تخفيض الضرائب على الشركات المستثمرة في مثل هذه المشاريع، وهو ما اعتبره كثيرون تسهيلًا مع سبق الإصرار مُصممًا لتعزيز أرباح شركات محددة، مما أثار التساؤلات حول مدى نزاهة العملية وعدالتها.
ما يثير القلق أكثر هو إصرار أخنوش على تبرير هذه الصفقة وما يحوم حولها في البرلمان بالقول إن “الكل له الحق في الاستثمار”، لكن هذا المبرر يغفل تمامًا البعد الأخلاقي والقانوني لتضارب المصالح، على اعتبار أن المشاريع العمومية في الأصل يُفترض أن تكون محايدة وخالية من أي تأثير لنفوذ سياسي أو اقتصادي.
هذه القضية تزداد تعقيدًا عندما نأخذ في الاعتبار موقع أخنوش كرئيس للمجلس الإداري للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، إذ كيف يمكن لرئيس الحكومة أن يجمع بين هذه المهام الحساسة دون الوقوع في تضارب المصالح؟ وأين تبدأ حدود صلاحياته الحكومية وأين تنتهي؟
وسط كل هذا، يعيش المواطن المغربي تحت وطأة غلاء المعيشة وموجات جفاف غير مسبوقة. وبينما ينتظر حلولًا عملية لمواجهة هذه الأزمات، يكتشف أن الماء، وهو حق أساسي، أصبح فرصة لتحقيق أرباح خيالية لشركات معينة، هذه الصورة تمثل تجسيدًا لفكرة استغلال الأزمات الاقتصادية لتحقيق مكاسب شخصية.
في وقت يعاني فيه المواطن المغربي من غلاء المعيشة وتزايد أعباء الحياة اليومية، وينتظر حلولا عملية لمواجهة هذه الأزمات يكتشف أن الماء، وهو حق أساسي، أصبح فرصة لتحقيق أرباح خيالية لشركات معينة. هذه الصورة تمثل تجسيدًا لفكرة استغلال الأزمات الاقتصادية لتحقيق مكاسب شخصية.
هذه الحالة تذكرنا بأبسط تعريفات تضارب المصالح، حيث يكون الفرد في موقع يخدم فيه مصالح متعارضة، لكن أخنوش، الذي يرى نفسه في موقع حصين، يتجاهل هذه الضوابط الأخلاقية، بدلًا من ذلك، يواصل استغلال منصبه لترسيخ قوته الاقتصادية، متجاهلًا الانتقادات التي تشير إلى انتهاك واضح للدستور ومبادئ الحكامة.
ردود الفعل الشعبية لم تتأخر؛ والنتيجة تصدّر هاشتاغ “إرحل” منصات التواصل الاجتماعي، معبرًا عن غضب عارم تجاه سياسات الحكومة، هذه الصرخة ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي مؤشر واضح على فقدان الثقة في حكومة يُنظر إليها على أنها أداة لتعظيم مصالح نخبة اقتصادية على حساب مصالح الشعب.
فاستمرار هذا النهج لا يهدد فقط استقرار البلاد، بل يقوض أيضًا الثقة في مؤسساتها، ففي دولة تحترم مبادئ الحكامة وفصل السلطات، لا يمكن السماح باستغلال المناصب العليا لتحقيق مكاسب شخصية، ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه هو، هل ستتحرك المؤسسات المعنية لفرض المحاسبة وإيقاف هذا الانفلات؟ أم أن المغرب سيظل رهينة لسياسات تتلاعب بمصالح الشعب لتحقيق أرباحها الخاصة؟