الصحافي فؤاد السعدي
في عصر يتغنى فيه الجميع بشفافية تدبير الشأن العام وتطبيق مقتضيات القوانين التي تكفل الحق في الوصول إلى المعلومة، تتوارى جماعة طنجة خلف جدار من الغموض، مانعة المواطنين وحتى الفاعلين المهنيين من الوصول إلى دفاتر التحملات المتعلقة بالتدبير المفوض. هذه الوثائق، التي تُعدُّ أساس العلاقة القانونية والتعاقدية بين الجماعة وشركات التدبير المفوض، أصبحت اليوم بمثابة “أسرار دولة” يخشى الاقتراب منها أو حتى الحديث عنها، مما يثير أسئلة عميقة حول الأسباب الحقيقية لهذا التكتم.
فمنذ تولي العمدة منير ليموري مسؤولياته، قدم وعودا بالجملة لنشر دفاتر التحملات لتكون متاحة للرأي العام المحلي، في بادرة ظنّها الجميع أنها ستُدشن عهداً جديداً من الشفافية، إلا أن هذه الوعود سرعان ما تبخرت وأصبحت سرابا، وها هي ولاية المجلس قد شارفت على الانتهاء دون أن يرى المواطنون أو حتى ممثلوهم بالمجلس أي أثر لهذه الوثائق، الغريب، أنه حتى بعض المؤسسات الرسمية، مثل المحاكم، التي تُعتبر طرفاً مهماً في فض النزاعات بين الشركات والمواطنين، تجد نفسها محرومة من نسخ هذه الدفاتر، مما يضع هيئة الدفاع أمام مأزق قانوني وأخلاقي حقيقي عند تمثيل موكليها في مثل هذه القضايا، على اعتبار أن الأساس القانوني للعلاقة بين الجماعة وهذه الشركات أريد له أن يبقى محاطًا بالسرية.
القانون رقم 31-13 الخاص بالحق في الوصول إلى المعلومة لا يحتمل التأويل؛ فهو ينص على أن المعلومات التي تُنتجها أو تحتفظ بها المؤسسات والهيئات العمومية هي حق مكفول لكل مواطن، إلا في حالات استثنائية محدودة وواضحة، لكن، في حالة دفاتر التحملات بجماعة طنجة، الوضع مختلف لأن رئيسها اختار تجاهل هذا القانون، وفرض طوق من السرية لا مبرر له.
الأدهى أنه حتى المستشارين الجماعيين ونواب الرئيس أنفسهم، الذين يُفترض أن يكونوا جزءاً من عملية اتخاذ القرار ومراقبة التنفيذ، يجدون أنفسهم ممنوعين من الاطلاع على هذه الدفاتر، مما يحرمهم من أداء دورهم الرقابي بفعالية، هذا الوضع يطرح علامات استفهام عميقة حول التزام الجماعة بالمبادئ الأساسية للحكامة الجيدة.
في هذا السياق، يصبح تدخل والي الجهة، يونس التازي، أمرًا ملحًا لكسر هذا الحصار على اعتبار أن الكشف عن دفاتر التحملات وتفعيل مبدأ الشفافية والوضوح لا يعزز فقط الثقة بين المواطن والمؤسسات، بل يضمن تطبيق القانون الذي يعتبر ركيزة أساسية لحوكمة فعالة تُراعي المصلحة العامة، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجهها المدينة في مجالات حيوية مثل التدبير المفوض.
إن حصار دفاتر التحملات بهذا الشكل يطرح تساؤلات حول وجود ما يدعو إلى هذا التعتيم، وهل يتعلق الأمر بتجاوزات قانونية أو إخفاقات في التدبير يتم السعي لإخفائها؟ أم أن هناك مصالح خاصة تُقدَّم على حساب المصلحة العامة؟ وما الذي تحاول الجماعة إخفاءه؟ أم أن الأمر مجرد استهتار بقانون الحق في الوصول إلى المعلومة؟
إن الاستمرار في هذا التكتم لا يضر فقط بالمواطنين ورجال الصحافة، بل يقوض أسس الحكامة الجيدة ويُشعل فتيل الشكوك حول نزاهة هذه العقود ومدى التزام الشركات والجماعة بتنفيذ بنودها.
اليوم على رئيس جماعة طنجة أن يدرك جيدا أن حجب المعلومة يُعدّ انتهاكاً لحق أساسي للمواطنين، ويقوض الثقة في المؤسسات المحلية، وإذا كان هدفه تعزيز الشفافية وتحسين العلاقة مع الساكنة، فعليه فتح دفاتر التحملات للجميع دون عراقيل أو تبريرات واهية، فالوضوح هو السبيل الوحيد لبناء مدينة متقدمة تحترم مواطنيها وتضمن لهم حقهم الكامل في الاطلاع والمشاركة، وأن الكشف عن دفاتر التحملات ليست مجرد رغبة في الاطلاع، بل هو تأكيد على حق مكتسب، على الجماعة أن تتحمل مسؤولياتها وأن تفي بوعودها في إطار الالتزام بالشفافية واحترام القانون.