
الصحافي فؤاد السعدي

حين خرج المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، أمام أعضاء لجنة التعليم والثقافة بمجلس النواب، لم يكن يتحدث بصفته مسؤولا حكوميا على قطاع حيوي يضمن التوازن بين السلطة والمجتمع، بل بدا وكأنه يتبرأ من كل ما له علاقة بالصحافة، مكتفيا بلغة باردة وخطاب ملتبس لا يليق بالموقع ولا بالمرحلة.
قال الوزير بنبرة لا تخلو من استخفاف في معرض دفاعه عن الاجراءات الحكومية المتعلقة بالمجلس الوطني للصحافة ومدى شرعيته، “نقاش الشرعية داخلي ولا يعنينا، وحين يحين وقت التجديد فذلك شأنهم”. هكذا ببساطة، تنصّل بنسعيد من واحدة من أعقد الإشكالات التي يعيشها الجسم الصحفي اليوم، ناسيا أو متناسيا أن الوزارة التي يتولاها كانت هي أول من سارع إلى شرعنة لجنة مؤقتة لتسيير شؤون الصحافة، بل ودافعت عنها بضراوة، وصرفت عليها من المال العام، وضمنت لها الغطاء القانوني والبرلماني.
فإذا كان شأن الصحافة لا يعنيه، على حد قوله، فمن أعطى الضوء الأخضر لصياغة مشروع قانون يقنن وجود لجنة بلا مشروعية؟ ومن أمر بتسخير موارد الدولة لتعويض أعضائها؟ وهل يملك وزير في موقعه رفاهية “الحياد” أمام أزمة بهذا الحجم تمس أحد أعمدة النظام الديمقراطي كما ينص عليه الدستور المغربي نفسه؟
الواقع أن الوزير بنسعيد لا يكتفي بالتهرب من المسؤولية، بل يساهم عمليًا في تقويض أسس التنظيم الذاتي الذي يتغنى به في تصريحاته، في الوقت الذي يُفرغ فيه هذا المفهوم من محتواه، ويُحوّل المجلس الوطني للصحافة إلى واجهة شكلية يتحكم فيها من الخلف عبر التعيينات والتمديدات ولجان الأمر الواقع.
وحتى لا يُتّهم النقد بالمبالغة أو الحنين للماضي، نذكّر الوزير الشاب بأن صحافيي هذا البلد، في زمن وزراء سابقين كالعربي المساري ومحمد الأشعري وغيرهم، كانوا يشعرون بأن القطاع في يد من يعرفه، ويحترمه، ويحمي استقلاليته، رغم ضيق الهامش وشحّ الإمكانيات. هؤلاء الوزراء، وإن اختلفت توجهاتهم، كانت لديهم رؤية إصلاحية، وكانوا يدركون أن الصحافة ليست مجرد “ملف إداري” في رفوف الوزارة، بل رافعة للوعي، ومرآة للديمقراطية، وخط دفاع عن هيبة الدولة نفسها.
اليوم، لم تصل الصحافة المغربية إلى هذا المنحدر بمحض الصدفة، وبالتالي ما تعيشه من ارتباك وهيمنة وتجريف لم يعد مجرد أزمة قطاع، بل هو انعكاس مباشر لفشل سياسي في حماية المهنة، والوقوف إلى جانب استقلاليتها، وتطويرها بما يواكب التحولات.
والحقيقة أن الوزير بنسعيد، بتحركاته الملتبسة، وتصريحاته المستفزة، واستهانته بدقة المرحلة، قد دخل التاريخ فعلاً، لا كمُصلحٍ أو مدافع عن الصحافة، بل كأحد مهندسي الانحدار الإعلامي في عهد حكومة أخنوش.
إن ما يجري اليوم لا يمكن تبريره بخطاب “التنظيم الذاتي” المفرغ من روحه، ولا بتحميل المسؤولية الكاملة للمهنيين وحدهم، بل هو نتيجة مباشرة لتدخل حكومي فجّ، يُحكِم قبضته على المهنة، ويقايض استقلالها بالولاء، والاختلاف بالصمت.
في ظل هذا الوضع، لا نملك إلا أن نطرح سؤالا مؤلما، هل باتت حرية الصحافة في المغرب ملفا ثانويا في نظر الوزير؟ وإذا كان هذا هو “الجيل الجديد” من الوزراء من ذوي الكفاءة كما أوهمونا، فبئس المصير الذي ينتظر الصحافة في هذا البلد.