
بقلم: الصحافي فؤاد السعدي

لم يكن حوار رئيس الحكومة على القناتين العموميتين مجرد خرجة إعلامية عابرة، بل كان لوحة مرتجلة من الطلاء السياسي الرخيص، حيث جلس عزيز أخنوش أمام المغاربة ليقدم صورة براقة عن واقع لا يراه أحد سواه، وكأنه يعيش في مغرب آخر مواز للواقع المرير الذي يعيشه الملايين. ولأنه لم يكن مقنعا في طرحه ولا سلسا في إجاباته، بدا وكأنه استعار صوت مصطفى بايتاس، مهندس الخطاب الخشبي وصانع البلاغات التي تتكرر كل خميس بعد المجلس الحكومي، بل حمل معه نفس سطل الطلاء الذي يتفنن بايتاس في توزيعه على الرأي العام لإخفاء التشققات العميقة التي تنخر حياة المغاربة.
بايتاس، الذي تحول من مجرد متحدث باسم الحكومة إلى بائع للوهم الرسمي، لم يكن حاضرا في الحوار، لكنه كان حاضرا في كل كلمة نطق بها أخنوش، وفي كل جملة مكررة تعيد تدوير نفس “الكولاج” الرقمي حول منجزات وهمية، غير أن المفارقة هو أن أخنوش بدا وكأنه تلميذ يقرأ نصا كتبه له بايتاس مسبقا، بعبارات منتقاة بعناية، هدفها صناعة صورة زائفة عن حكومة فاشلة.
لكن مهما حاول الطلاء أن يخفي الحقائق، فإن الواقع أقوى من البلاغات الجاهزة لأن المغاربة يعرفون أن ملايين العاطلين مازالوا في الشوارع، وأن تكاليف المعيشة ترتفع بشكل جنوني، وأن الفوارق الاجتماعية تتسع بشكل غير مسبوق. ومع ذلك يخرج علينا بايتاس كل أسبوع ليحدثنا عن حكومة “تاريخية”، فيما رئيسها يعيد ترديد نفس الأسطوانة حتى كاد الحوار التلفزيوني يتحول إلى نسخة مطولة من ندوة بايتاس الأسبوعية.
الأدهى أن هذا الثنائي، أخنوش وبايتاس، يصر على التعامل مع المغاربة كأنهم مجرد جمهور يحتاج فقط إلى خطاب دعائي متكرر، فأخنوش يرسم لوحات وردية عن ستة ملايين رأس ماشية ومرضى سعداء، وبايتاس يشرح للجمهور معنى اللوحة ويقنعهم أنها تحفة فنية، بينما الواقع يؤكد أن البلاد تغرق في أزمات متتالية بدأ من انهيار القدرة الشرائية إلى فضائح الصحة والتعليم، مرورا بتورط برلمانيين ورؤساء جماعات من الأغلبية في ملفات فساد، وصمت حلفاء الحكومة الذين يراقبون المشهد من بعيد.
ولأن تضارب المصالح يظل العنوان الأبرز لمسار أخنوش، فإن بايتاس أصبح الغطاء السياسي الذي يحاول تبرير هذا الوضع، سواء في قضية صفقة تحلية مياه البحر أو غيرها من الملفات الثقيلة التي تقاطع فيها رأس المال مع السلطة. غير أن المشكلة ليست في التضارب فقط، بل في الإصرار على تقديم الوهم باعتباره إنجازا، وكأن المغاربة لا يرون الواقع بأعينهم.
اليوم، لا أحد ينتظر من أخنوش وبايتاس اعترافا بالفشل، لكن كان الأجدر برئيس الحكومة أن يعتذر للشعب المغربي عن ضياع الوقت والفرص والوعود، بدل الاستمرار في تقديم مشاهد بئيسة من مسرحية سياسية فقدت حبكتها. اليوم المغاربة لا يحتاجون إلى سطل جديد من الطلاء، ولا إلى خطبة أخرى من بايتاس، بل إلى حكومة صادقة وفعالة تعرف معنى المسؤولية.