بقلم: الصحافي فؤاد السعدي
بلغ الخلاف داخل حزب الأصالة والمعاصرة بجهة الشمال مستوى غير مسبوق، لدرجة أصبحت تشعر فيه وجوه بارزة بالحزب بأن مسارها السياسي قد يتخذ منحى يتسم بالخطورة، بعدما تحول الصراع فيما بينها على المواقع الى “حرب أهلية” من شأنها أن تفقد الحزب القدرة على الإنضباط في غياب قيادة رزينة ووازنة.
صحيح أن الخلافات التنظيمية عادة ما تتخذ لنفسها أشكالا طبيعية وتتطور وفقا لمصالح الأطراف المتناحرة، لكن ما يقع من صراع معلن تارة، وخفي تارة أخرى بين عدد من قيادات الحزب بالشمال في الآونة الأخيرة أصبح يأخذ منحى أكثر عنفا يصل حد التهديد بفضح “ملفات” ضلت حتى يومنا هذا طي الكتمان عندما كانت مصالح الإخوة/الأعداء مشتركة والمكاسب واحدة ومتساوية، أما وأنها صارت متعارضة فذلك حديث آخر.
فالخرجة الإعلامية للنائب البرلماني “الدفوف” عن حزب “البام” من أجل الدفاع عن شركته المتخصصة في صناعة النسيج والألبسة مما نسب إليها من إدعاءات مرتبطة بانتهاك حقوق العمال من دون أن يوجه أصابع الاتهام لجهة محددة يطرح الكثير من علامات الإستفهام ويفتح الباب على مصرعيه أمام العديد من التأويلات فيما إن كانت إثارت هذه الضجة، وفي هذا التوقيت بالذات له علاقة بحرب المواقع التي تدور رحاها بجهة الشمال بعد المؤتمر الخامس الذي شهد إزاحة كل من “المحرشي” و “الحموتي” عراب “تيار الريف” من المكتب السياسي بعدما عمّرا به لفترة طويلة ورغبة كل واحد منهما تعويض خسارته عبر بسط السيطرة على منصب الأمانة الجهوية، وبالتالي العودة من بوابة “الصفة” الى المكتب السياسي حتى ولو استدعى الأمر الضرب تحت الحزام ، تماما كما وقع مع “الدفوف” عندما حاول رفقاء الأمس قطع دعم القيادة الثلاثية عنه عبر بعث رسائل مشفرة بأنه لم يعد رجل ثقة القادر على إعادة التوجه للحزب سواء بطنجة أو بالجهة لتخلو لهم الطريق.
فطموح الظفر بمقعد بالمكتب السياسي لحزب “البام”، وبسط السيطرة على الأمانة الجهوية بجهة الشمال لا يُسيل لعاب القيادات القديمة فقط كالمحرشي والحموتي والغنزوري، بل أصبح يستأثر باهتمام الأسماء الجديدة أيضا خصوصا تلك التي لعب الحظ الى جانبها في الإنتخابات الأخبرة وبوءها منصب عمودية طنجة ورئاسة جمعية رؤساء الجماعات المحلية. والحديث هنا عن “الليموري” الذي جلبه “الدفوف” “رمانة مغمضة” في إطار سدّ الخصاص ليصبح بعد ذاك واحدا من أشرس خصومه، وأكثرهم رغبة في الإطاحته به بعدما خبر أساليب الكولسة وطرق الانبطاح السياسي ومردودهما كي يحضى بفرصته لقيادة الحزب بالجهة، رغم الفشل الذي راكمه سواء على مستوى تدبير جماعة طنجة أو جمعية رؤساء الجماعات المحلية.
ودون الإعتراف لصاحب الفضل، ومن جلبه للحزب لدخول غمار السياسة، فضل “الليموري”الخروج من جلباب “الدفوف” ولي نعمته السياسية والاصطفاف إلى جانب “الغنزوري” الطامع أيضا في مقعد بالمكتب السياسي من أجل بسط سيطرته على الجهة وإحياء “تيار الريف” ويضمن لنفسه نفوذا داخل الحزب وامتيازات عديدة ومعاملة تفضيلية.
أمام كل هذه المشاحنات والمناوشات تقف القيادة الثلاثية على مسافة متساوية بين كل الأطراف في انتظار أن تتضح الرؤية، وما ستسفر عنه هاته الحرب القائمة على المصالح من نتائج وتعمل على ضوئها، للقضاء على ما تبقى من “تيار الريف” والقطع مع الوجوه القديمة وسد كل المنافذ الكفيلة باعادتهم لمعترك الكبار. وقد ظهر هذا جليا من خلال الاسماء التي تم اختيارها لشغل مقاعد المكتب السياسي، وكيف سعت القيادة الثلاثية لكسر شوكة “المحرشي” والإطاحة “بالحموتي” عن طريق اعطاء فرصة للوجوه الجديدة وعلى رأسها “الدفوف” و “الليموري” و “العنزوري” وتمكين أحدهم من بسط اليد على جهة الشمال حتى ولو بنهج حرب قذرة على رفقائه.
ويبقى السؤال المطروح من له المصلحة في إثارت فضيحة عمال شركة “نوفاكو فايشن” للالبسة، للاطاحة بمالكها “الدفوف”؟ فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وهل يؤدي هذا الأخير ثمن فرط الثقة في صديقه الذي انقلب عليه؟ وهل فعلا يطمح العنزوري في تسلق سلم السياسة بناء على قناعته الشخصية أم في إطار تصفية حساباته مع من يصفون أنفسهم بقياد الحزب الجدد بالشمال؟