
بقلم: الصحافي فؤاد السعدي

جواب وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، على سؤال برلماني بشأن دعم الصحافة الورقية، جاء مرتبًا، مليئًا بالمصطلحات الرنانة خصوصا عندما تحدث عن معايير دقيقة، وآليات للتتبع، والشفافية، والتحديث، الوتحول رقمي، وكلها عبارات تدلّ، في ظاهرها، على وجود خطة حكومية دقيقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا القطاع المُنهك.
لكن خلف هذا الخطاب التقني الأنيق، يكمن سؤال مزعج لا تستطيع لغة المراسيم أن تخفيه ألا وهو، من يراقب؟ من يُدبّر؟ ومن يُشرعن كل هذه القرارات؟
الوزير يتحدث عن اتفاقيات ثنائية، وعن لجان تقييم، وعن مرسوم صدر في يناير 2024، وعن قرارات مشتركة مع وزارة المالية، وأن شيء يبدو في مكانه، باستثناء أهم شيء وهو المجلس الوطني للصحافة غير موجود، أو بالأحرى، لم يعد موجودًا قانونيًا، بعدما انتهت ولايته منذ ما يزيد عن عامين، ولُفّ الأمر في غلاف لجنة مؤقتة كان من المفترض أن تستمر سنة قابلة للتجديد لمرة واحدة، لكنها تجاوزت المدة القانونية وواصلت عملها في صمت، وكأننا في إدارة محلية وليس في دولة تُبنى على مؤسسات.
فكيف يمكننا، كمراقبين وكمهنيين، أن نصدق أن كل هذه البرامج تُدار في إطار من الشفافية والمحاسبة، بينما الجهة الوحيدة المخولة قانونيًا بمراقبة هذا الدعم وتنظيم شروطه باتت تشتغل خارج الشرعية؟
أليس من المفترض أن تُجمَّد كل أشكال الدعم إلى حين عودة مؤسسة منتخبة لتدبير هذا القطاع؟ أو على الأقل، أن يُفتح نقاش وطني صريح حول آليات الرقابة في ظل هذا الفراغ الدستوري والتنظيمي؟
الوزير يقدّم أرقامًا، وقرارات، وتواريخ نشر في الجريدة الرسمية، لكنه يتجاهل عمق الأزمة المتمثلة في أزمة فقدان الثقة، وضياع الشرعية، وتفكك هيبة المهنة. وبالتالي فكل دعم في ظل هذا الوضع يبدو وكأنه رشّ ماء على نار مشتعلة دون إطفائها، أو بناء طوابق جديدة في عمارة لم تُسوّ أساساتها بعد.
ثم إن الحديث عن تشجيع الصحافة الجهوية وتحفيز إنتاج المحتوى عالي الجودة، في ظل وجود “فوضى إعلامية” وانتحال صفة صحفي من قبل دخلاء على المهنة، هو ترف سياسي لا يتماشى مع الواقع. وبالتالي ما الفائدة من دعم مطبعة أو تمويل موقع إلكتروني إذا لم تكن هناك آلية مهنية مستقلة لتحديد من يستحق؟
اليوم الدولة، بكل مؤسساتها، مطالبة بالإجابة عن سؤال بسيط وحاسم، لماذا تأخرت انتخابات المجلس الوطني للصحافة؟ ولماذا نُصر على تسيير قطاع حيوي بلجنة مؤقتة فقدت مشروعيتها، ثم نستغرب أن الميدان تحوّل إلى فوضى؟
لأن كل خطاب إصلاحي لا يمر عبر مدخل الشرعية هو خطاب أجوف، وكل دعم لا تؤطره مؤسسة منتخبة هو دعم بلا ضمانات، وكل محاولة لتزيين هذا الواقع عبر الأرقام، فهي، في أحسن الأحوال، تمرين علاقات عامة، لا أكثر.