الصحافي فؤاد السعدي
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والإدارية، أطلق وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية، أحمد البواري، حملة إعفاءات غير مسبوقة استهدفت عددا من كبار المسؤولين في الوزارة. هذه التحركات، التي وصفت بـ”الزلزال الإداري”، شملت مسؤولين يشغلون مناصب استراتيجية، من بينهم المدير المالي، مدير الموارد البشرية، ومدير تنمية المجال القروي والمناطق الجبلية، بالإضافة إلى رؤساء مؤسسات كبرى مرتبطة بالقطاع.
رغم أن هذه الإجراءات قد تبدو من الوهلة الأولى خطوة نحو إصلاح شامل وإعادة هيكلة ضرورية، فإنها تثير تساؤلات جوهرية حول مبرراتها ومرجعياتها. إذا كانت هذه الإعفاءات نابعة من تقارير افتحاص داخلي أظهرت وجود تقصير أو اختلالات في الأداء، فمن الواجب ألا تقتصر القرارات على الإعفاء فقط. فالمرحلة تتطلب ربط المسؤولية بالمحاسبة، خصوصًا إذا ثبت أن هناك شُبهات فساد أو سوء تدبير.
لا يمكن إنكار أن القطاع الفلاحي في المغرب يواجه تحديات كبيرة، وأن إصلاحه يتطلب قرارات شجاعة قد تكون غير شعبية. لكن في الوقت ذاته، يجب أن تُبنى هذه القرارات على أسس شفافة وواضحة. إعفاء مسؤولين من مناصبهم دون توضيح الأسباب قد يفتح بابًا للتأويلات ويعزز الشكوك حول دوافع هذه الخطوة، خصوصًا إذا لم تُرفق بإجراءات قانونية لمحاسبة من يثبت تقصيره أو تورطه في فساد.
ما يزيد من أهمية هذه القضية هو ارتباطها بملفات ثقيلة مثل مخطط المغرب الأخضر، الذي أشرف عليه عزيز أخنوش عندما كان وزيرًا للفلاحة. هذا المشروع، رغم الضجة التي رافقت إطلاقه والنتائج المعلنة عنه، أثار انتقادات واسعة بشأن جدواه وشفافيته. لذا، فإن أي مراجعة للقطاع الفلاحي لا يمكن أن تكتمل دون فتح هذا الملف وتقييمه بموضوعية، بعيدًا عن الحسابات السياسية أو الإدارية.
إذا كانت هذه الإعفاءات خطوة نحو تصحيح الاختلالات داخل الوزارة، فإن الشفافية والمحاسبة يجب أن تكونا العمود الفقري لهذا المسار. كل إعفاء يجب أن يكون مبررًا بشكل علني، وكل تقصير أو فساد يجب أن يقابله تحقيق ومحاسبة، بما يعيد الثقة إلى القطاع وإلى العاملين فيه. في غياب هذه المقاربة، قد تتحول هذه الخطوات إلى مجرد إعادة توزيع للأدوار والمناصب دون تحقيق تغيير حقيقي.
القطاع الفلاحي، الذي يشكل عصبًا رئيسيًا في الاقتصاد المغربي، يحتاج إلى رؤية جديدة تضع مصلحة المواطنين فوق كل اعتبار. لكن هذه الرؤية لا يمكن أن تُبنى إلا على أساس من النزاهة والمصداقية، حيث يُحاسب كل مسؤول على أدائه دون تمييز أو انتقائية. إن زمن القرارات الشكلية قد ولى، وما ينتظره المغاربة اليوم هو إصلاح حقيقي يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.