الصحافي فؤاد السعدي- المغرب
لا يختلف إثنان على أن ضُعف الشخصية السياسية ينعكس سلبا على الديمقراطية، ويؤدي إلى السقوط في براثن الفساد السياسي وما إلى ذلك من ممارسات تدفع إلى نَبذٍ شاملٍ للسياسيين من طرف المواطنين. وأن تدني الكفاءة لدى الفاعل السياسي، إضافة إلى غياب المصداقية، عاملين أساسين من شأنهما اختزال الديمقراطية في مجرد لعبة استغلال لمصالح انتخابية.
فهل يمكن إذن الاعتماد في بناء المؤسسة المنتخبة على سياسيين تتركز كل اهتماماتهم على حملاتهم الانتخابية واستثمار كل جهودهم من أجلها؟ وهل السياسي في صيغته الحالية يمتلك القدرة على تحقيق آمال المواطنين وتخفيف آلامهم؟
في ما مضى، كان السياسي مرجعا معروفا وفريدا عن عامة المجتمع بمبادئه وأفكاره ومنجزاته، متحررا من التعقيدات والعقد التي تميز المواطن العادي، بل دعامة تُبنى حولها الآراء ووجهات النظر، وليس مجرد محارب حول مواضيع بعيدة عن هموم المواطن الحقيقية، قريبة وفاضحة لمطامعه الشخصية والانتخابية. هكذا خرج علينا محمد الزموري خلال الدورة العادية لمجلس جماعة طنجة، في محاولة منه لتمييع المشهد السياسي المحلي بالمدينة، وزرع بذور التخبط والتفرقة والشتات في صفوف أعضاء مجلس جماعتها في إعلان ضمني بقرب انهيار أكبر معقل سياسي لحزب الإتحاد الدستوري بالمغرب بسبب حساباته السياسية الضيقة التي تعوزها رزانة التدبير وحس المسؤولية والعمل في صمت والجلوس الفعلي للتفكير وإيجاد الحلول لمختلف الملفات والمعضلات العالقة إن على المستوى الحزبي أو على مستوى الشأن العام المحلي.
لقد كشفت النقطة 34 المدرجة في جدول أعمال الجلسة الثانية من الدورة العادية لمجلس جماعة طنجة المتعلق بانتخاب النائب العاشر عن حجم التخبط والعشوائية في تدبير هذه المؤسسة الدستورية سواء على مستوى رئاسة المجلس أو على مستوى الفرقاء السياسيين المشكلين لأغلبيته، بالمقابل ظهرت المعارضة قوية ومتراصة وثابتة في اشارة تنبأ على أن الأيام القادمة ستكون صعبة وعسيرة على الليموري الذي فشل في الحفاظ على أغلبية متماسكة خلال السنتين من ولايته عندما اعتمد على حلفاء لا يقدرون حجم مسؤوليتهم ولا علاقة لهم لا بالالتزام الأخلاقي ولا بالإنضباط السياسي لتكون المحصلة أغلبية هشة وهجينة تضع مستقبله على رأس الجماعة في كف عفريت، وتزيد من تعطيل قطار تنمية المدينة أكثر مما هو معطل. فهل ستكون النقطة 34 بداية الإنقلاب على عمدة طنجة، ونهاية حتمية لأضعف مجلس جماعي في تاريخ مدينة طنجة؟
كما جرت القاعدة المتداولة في أغلب المعتركات السياسية، فبقدر صعود أسهم بعض السياسين بحجم أُفول نجم آخرين، وفي وقعتنا لهذا اليوم (دورة أكتوبر) برز اسم عبد الحميد ابرشان عن حزب الاتحاد الدستوري الذي عرف كيف يرد الصاع صاعين لغريمه في الحزب محمد الزموري عندما أجبره على مغادرة أشغال الدورة مهزوما مكسور الخاطر والوجدان، ومعلنا للجميع بألا مستقبل لحزب “الحصان” بطنجة من دونه.
إصطفاف أبرشان الى جانب الشرقاوي الذي فاز بالمقعد الشاغر لنائب الرئيس له بُعدٌ أخلاقي يتمثل في إلتزام الرجل بمواقفه السياسية وثباته على العهد كما كان الحال في انتخابات مقاطعة طنجة المدينة، وبُعدٌ سياسي قوي تمثل في رسالة صريحة بعثها أبرشان لقيادة الاتحاد الدستوري على المستوى المركزي من أجل إعادة الحسابات في اسم الزموري الذي فشل في بناء تنظيم حزبي منسجم ومتجانس وقوي قادر على رفع التحديات وكسب الرهانات والانصات للمواطنين لأزيد من عشرين سنة. الزموري الذي استعمل الحزب كأداة فقط لتحقيق مكاسب سياسية شخصية وقف اليوم أمام أبرشان منهارا ضعيفا تائها مقرا بالهزيمة ومعلنا خروجه من المعترك السياسي من الباب الضيق. فهل سيلتقط جودار رئيس حزب الاتحاد الدستوري رسالة أبرشان ويعيد ترتيب التنسيقية الجهوية بجهة الشمال أم ستبقى دار لقمان على حالها؟
النقطة 34 كشفت كذلك على واقع حزب الاصالة والمعاصرة المتشرذم والمفكك والمنخور القوى خصوصا بعد غياب نصف الفريق عن اشغال الدورة مما يوحي على أن هذا الحزب يعيش أزمة انضباط سياسي وحالة من التيه الحزبي وعدم الالتزام بقرارات التحالف الثلاثي المقرر وطنيا، بالمقابل ظهر فريق التجمع الوطني للاحرار أكثر انضباطا وأقوى تماسكا وأشد التزاما، وحتى وإن انسحب مرشحه عبد الواحد بولعيش من التنافس للظفر بالمقعد الشاغر لكن يجب ألا ننسى أنه أول من ثمن فكرة انتخاب الشرقاوي والانفتاح على المعارضة وسعى إلى تنزيلها على أرض الواقع لولا حقد الحاقدين وبغض الباغضين.
فاز محمد الشرقاوي بمقعد نائب الرئيس بعد سنتين من الشد والجذب والمناوات السياسية، والسؤال الذي يطرح نفسه دائما هو لماذا تم تأجيل هذه النقطة طيلة هذه المدة؟ وما مصلحة الليموري في هذا التأجيل؟ أو بعبارة أدق ما مصلحة من يدورون في فلكه من هذا التعطيل؟
فاز “المرضي” وفازت معه كل النيات الحسنة في التغيير لأن طنجة تستحق الأفضل، تستحق مجلسا قويا ورئيسا محنكا. ومجلس جماعة طنجة قبل النقطة 34 لن يكون كما كان قبلها لأن موازين القوى قد تغيرت، معلنة اندحار أول اسم في الساحة السياسية بطنجة في شخص المنسق الجهوي للاتحاد الدستوري، وغالبا ما سيكون التالي منير الليموري عمدة طنجة عن حزب “البام” ومن يواليه والبقية ستأتي.
فهل سيجري على جماعة طنجة ما جرى على جماعة الرباط وفاس والقنيطرة ومكناس وغيرهم؟ ويصير “البلوكاج” واقعا سياسي يفرض زمامه على المدينة؟ حتى ذلك الوقت تبقى الحقيقة الثابتة والنتيجة الحتمية على أن المعارضة داخل المجلس أصبحت قوية بمتغيرات عدة أهمها فوز الشرقاوي، وانتقام ابرشان، وسقوط الليموري واندحار الزموري.
للحديث بقية..