بقلم : الصحافي فؤاد السعدي
يقال في المثل المغربي، “كياكل مع الديب ويبكي مع السارح”، وهو وصف دقيق لحالة نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء في حكومة أخنوش، ففي الليل، يتمتع الرجل بما يقدمه له منصبه الحكومي من امتيازات ومكاسب، لكنه في النهار يختار التنصل من المسؤولية، ويظهر قلقه حيال الأوضاع الاجتماعية للمغاربة، وكأن القرارات التي يهاجمها الآن لم يكن له دور في اتخاذها وتنفيذها.

ففي آخر ظهور له بأولاد افرج بالجديدة، اعتلى بركة منصة الانتقاد ليهاجم غلاء الأسعار، داعيًا الحكومة إلى “اتقاء الله في المغاربة”، ورغم أن هذا الانتقاد جاء في سياق تداعيات اجتماعية يعاني منها المواطنون، فإن التساؤلات تظل قائمة حول صدقية هذا الخطاب، خاصة وأنه جزء من الحكومة التي يتحمل مسؤولية قراراتها وتنفيذ سياساتها. فهل يخاطب بركة زملاءه في التحالف الحكومي؟ أم يتوجه إلى نفسه في محاولة للتبرؤ من الأزمات التي يشترك في صنعها؟ أو أن ما يقوم به ليس سوى محاولة لتجميل صورته السياسية في نظر المواطنين، من خلال استعراض سياسي قد يخفف من وطأة الانطباع العام حول أدائه الحكومي؟ لا شك أن ما يحدث اليوم يعكس تناقضًا بين المواقف السياسية والتزامات الحكومة، مما يجعل من الصعب تصديق هذا التباكي الموجه.
ما يفعله بركة وفعله أمناء عامون من قبله ليس معارضة حقيقية، بل هو تجسيد لأسلوب سياسي مكرر في حزب الاستقلال، الذي اعتاد أن يلعب على وترين، قدم في الحكومة وأخرى في المعارضة، هذه الازدواجية في المواقف لم تعد خافية على أحد، وهو أسلوب لا يمت بصلة لمنطق الثبات على المبادئ، بل على العكس يفضح التلاعب السياسي الذي ينهجه الحزب متى وجد في حكومة ما، حتى صار حزب علال الفاسي هو الحزب الوحيد الذي لا يمكن الوثوق بمواقفه، على اعتبار أنه يسعى دومًا للظهور في صورة المُنتقد بينما هو في جوهره جزء من الحكومة التي يهاجمها، وبالتالي، إذا كان بركة يعتقد حقًا أن السياسات التي يشارك فيها حزبه تضر بالمغاربة، فلماذا لا يتخذ موقفًا واضحًا ويخرج من الحكومة؟ أم أن الحفاظ على المنصب والمكاسب الشخصية هو الأهم بالنسبة له ولوزراء الحزب من المبادئ والمصداقية؟
حزب الاستقلال، الذي لطالما كان رمزًا للقيم الوطنية والمبادئ الثابتة، أصبح اليوم مجرد صورة باهتة لما كان عليه، خاصة في ظل ممارسات بركة التي تجمع بين الحكومة والمعارضة في وقت واحد، على اعتبار أن ما يفعله الرجل ليس نقدًا بناءً، بل مناورة سياسية مفضوحة تهدف إلى خدمة مصالح ضيقة على حساب الثوابت التي لطالما دافع عنها الحزب عندما كان يحمل رؤى واضحة. اليوم يمكن الجزم أن الحزب الذي أصبح يساير التوجهات بحسب المصلحة الشخصية، متجاهلًا تطلعات المواطنين تحول إلى مجرد منصة لتمرير المناورات السياسية، ليظهر وكأنه لا يملك موقفًا ثابتًا سوى البحث عن المكاسب الفردية، بعيدًا عن خدمة مصلحة الوطن.