
بقلم: الدكتور عادل بن حمزة

في 14 أبريل 2025، قدّم ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي تتجاوز في مضمونها تقارير دورية روتينية، ويصلح “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية” عنوانا يختصر أبرز مضامينه كحل نهائي للنزاع مفتعل طال أمده. فقد أشار دي ميستورا بوضوح إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مفصلية في مسار هذا النزاع الممتد، مؤكدًا أن الفرصة قد تكون سانحة لتحقيق تقدم ملموس نحو تسوية سياسية، إذا ما توفرت الإرادة لدى الأطراف المعنية، خاصة الجزائر ومن ورائها جبهة البوليساريو الإنفصالية.
الإحاطة جاءت في لحظة دقيقة حرص دي ميستورا على التذكير بها، أي مرور خمسون عامًا على إدراج ملف الصحراء على جدول أعمال الأمم المتحدة كموضوع حصري بيد مجلس الأمن الدولي دون التوصل إلى حل نهائي، على الرغم من المبادرات والقرارات الدولية المتعاقبة. المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ذكّر بهذا السياق الزمني ليعزز فكرة أن الوضع لم يعد يحتمل مزيدًا من الجمود، وأن الشرعية الدولية يجب أن تتحول من إطار نظري إلى ضغط عملي باتجاه التسوية في ظل قناعة المجتمع الدولي المتزايدة بجدية الاقتراح المغربي.
في صلب هذه الإحاطة، برز مجددًا الحديث عن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب منذ سنة 2007، والتي وصفها المبعوث الأممي بأنها “واقعية وجدية”. هذا التوصيف ليس جديدًا في أدبيات الأمم المتحدة، لكنه يكتسب الآن زخمًا في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، وتزايد عدد الدول التي تدعم المبادرة بوصفها إطارًا قابلًا للتنفيذ، يحفظ الاستقرار ويحقق قدرًا من التوافق وهي المبادرة التي لازالت تكسب دعما جديدا من عدد من الدول آخرها كرواتيا التي أعلنت دعمها الأربعاء الماضي لمغربية الصحراء، بعد مولدوفا التي أعلنت نفس الموقف يوما قبل ذلك في إطار جولة لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة للمنطقة.
التحول اللافت في مواقف قوى كبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، يضيف بعدًا استراتيجيًا لهذه الدينامية. فالرسائل التي نقلتها واشنطن خلال زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة يوم 8 أبريل، أكدت تجديد دعمها لحل سياسي دائم تحت مظلة الأمم المتحدة، مع إشارة متكررة إلى أهمية الواقعية. هذا التطور قد يدفع بالأمم المتحدة إلى تبني مقاربة أكثر وضوحًا في دعم الحلول القابلة للتنفيذ، بدل الاكتفاء بعملية سياسية مفتوحة بلا سقف زمني أو مضمون محدد. نسجل هنا إشارة دي ميستورا إلى إجتماع مجلس الأمن الدولي شهر أكتوبر القادم والذي سيصادف مرور نصف قرن على هذا النزاع المفتعل بكل ما حمله من هدر للطاقات والفرص بما في ذلك جهود الأمم المتحدة.
غير أن التحديات لا تزال قائمة. الجزائر، رغم إنكارها الرسمي لدورها كطرف مباشر في النزاع، تظل فاعلًا رئيسيًا من خلال دعمها السياسي واللوجستي لجبهة البوليساريو. دي ميستورا، وإن لم يسمّ الجزائر صراحة، فقد أشار إلى أن استمرار التوتر بينها وبين المغرب يعيق أي تقدم. الإشارة هنا ليست فقط دبلوماسية، بل تحمل مضمونًا سياسيًا واضحًا: لا حل من دون انخراط مباشر وصريح من كافة الأطراف المؤثرة.
أما جبهة البوليساريو، فموقفها يزداد عزلة في ظل رفضها لأي خيار لا يتضمن “الاستقلال” رغم قناعة المجتمع الدولي بعدم جدية خيار الإستفتاء المؤدي إلى الإنفصال، ورغم فقدانها الكثير من الزخم الدولي وتراجع عدد الدول المعترفة بها. المبعوث الأممي دعا ضمنيًا إلى تقديم مقترحات بناءة وقابلة للنقاش، في إشارة إلى أن الخطاب المتشدد لم يعد يجد صدى في دوائر القرار الدولي، وعلى هذا الجانب كانت الولايات المتحدة الأمريكية واضحة مع الجزائر منذ إدارة بايدن.
ختامًا، فإن إحاطة دي ميستورا حملت رسائل مزدوجة: تحذير من استمرار الوضع القائم، ودعوة إلى الانخراط الجاد في مفاوضات ذات مضمون. ما يميز هذه المرحلة هو أن المجتمع الدولي يبدو أكثر استعدادًا، سياسيًا ودبلوماسيًا، لدفع الأطراف نحو حل مستدام. ومع أن الطريق لا تزال معقدة، فإن الشهور المقبلة قد تشكل بالفعل لحظة تحول، إذا التُقطت هذه الإشارات وتم البناء عليها بمسؤولية وشجاعة سياسية في ظل واقع التنمية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية للمملكة، والتي أصبحت بعد مبادرة الملك محمد السادس اتجاه دول الساحل والصحراء، عامل استقرار في منطقة مهددة بالإرهاب والجماعات المسلحة الانفصالية، لذلك فإن المجتمع الدولي يتمثل جيدا هذا الواقع الجديد الذي ينبني على تحويل تحديات نزاع إقليمي مفتعل إلى عامل وحدة وتعاون إقليمي.