أمين بوشعيب/ إيطاليا
للطبقة العاملة في جميع بلدان العالم عيدٌ تخلّده في الأول من شهر أيار / مايو من كل سنة، حيث تقوم النقابات العمالية والاتحادات ومنظمات العمل بتنظيم المسيرات والمهرجانات الخطابية احتفاءً بهذا اليوم الكبير، تكريماً للفئات العاملة والطبقات الكادحة، وتقديرا للدور الذي تلعبه في بناء وتشييد الوطن، وتطوير البلاد.
وهو مناسبة للوقوف على ما تمّ إنجازه لصالح الشغيلة، وتجديد التعبير عن المطالب الاجتماعية والمادية والمهنية الأخرى التي لا تزال عالقة.
في المغرب لم يكن فاتح ماي يوم عيد، بل كان يوما أسودَ على الطبقة العاملة برمتها، سواء تلك التي تشتغل في القطاع العام او في القطاع الخاص. فالمركزيات النقابية -ما عدا نقابات الأغلبية- غاضبة من الحكومة لأنها تتلكّأ في تنفيذ بنود الاتفاق الاجتماعي 30 أبريل، الذي تم توقيعه في السنة الماضية، والذي تضمن التزامات متبادلة بين الأطراف الحوار الاجتماعي (الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلا)
ويبدو أن هذا الغضب، نابعٌ من إحساس المركزيات بخيبة أمل كبيرة، من جرّاء تملص حكومة عزيز أخنوش في تنفيذ الالتزامات الواردة في الاتفاق إياه، وعلى رأسها الزيادة العامة في الأجور، ومراجعة أشطر الضريبة على الدخل، والدرجة الجديدة للترقي، وغيرها من الالتزامات التي لم تنفذ، وكذا تنزيل ميثاق مأسسة الحوار الاجتماعي، وحل النزاعات الاجتماعية المزمنة، ووقف التسريح الجماعي للعمال، واحترام الحريات النقابية.
هذا الاتفاق الذي كانت المركزيات تودّ من خلال تنفيذه، أن تقدمه هدية للطبقة الشغيلة بمناسبة عيدها السنوي من أجل إسكاتها، وتحفظ به بعضا من ماء الوجه، حيث تواجه المركزيات النقابية انتقادات حادة من قبل منخرطيها، ومن قبل عموم الشغيلة المغربية، ولربما البند الوحيد الذي نفّذته الحكومة، هو الرفع من مبلغ الدعم المخصص للمركزيات النقابية بنسبة %30، الشيء الذي جعل المركزيات النقابية في حرج.
وعلى العموم، فمن خلال تتبعنا لفعاليات فاتح ماي لهذه السنة، فقد لاحظنا أن التظاهرات تميزت بحضور عمالي باهت، حيث غابت المهرجانات والمسيرات الكبرى التي عهدتها بعض المدن المغربية صباح كل فاتح ماي، لاسيما بعد أن اختارت أبرز المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا النزول في تظاهرات ومهرجانات خطابية بمشاركة القيادات النقابية والسياسية، وجميع المنتسبين إليها، بشوارع مدينة الدار البيضاء، للاختباء ومداراة فشلها في تعبئة الطبقة العاملة.
الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية، الذي ترأس الحكومة خلال الولايتين السابقتين لحكومة عزيز أخنوش، احتفل هو الآخر بهذا اليوم، وكانت له كلمة، فعلى لسان عبد الإله بنكيران الأمين العام للحزب، تمّ توجيه انتقادات شديدة اللهجة لحكومة عزيز أخنوش، حيث قال بأن “رئيس الحكومة وعد المغاربة بوعود لا تنتهي، لكن هذه الوعود تبخرت ثم أردف قائلا:
“إن المواد الغذائية والمحروقات ارتفعت بشكل صاروخي، وبالتالي يجب أن تكون الأمور واضحة، ثم أضاف بأن “المغاربة كلهم يدعون على أخنوش”.
بنكيران خلال كلمته -التي كانت أقرب إلى التباكي منها إلى خطاب مسؤول- لم ينسَ الحديث عن “التماسيح والعفاريت” الذين تسببوا في إبعاد حزبه من الساحة السياسية عبر تحجيم وزنه، موضحا أن “الشعب صوّت على حزب المصباح في 2016 كأول حزب منتقلا من 107 مقاعد إلى 125 مقعدا، وتم تعيينه رئيسا للحكومة، لكن المؤامرات والمناورات والألاعيب ذهبت في اتجاه حرماننا من هذا الفوز المستحق، على الأقل بإزاحة بنكيران في المرحلة الأولى، والحزب في المرحلة الثانية، ليصل إلى ما يوجد عليه اليوم” وأضاف “هل نحن مغاربة ولدينا حقوق مثل الجميع، أم أننا منبوذون، حتى لو أعطت لنا الصناديق الصدارة، تتحرك التماسيح والعفاريت التي تهندس لإقصائنا”، وأضاف “من العيب أن الدولة مرت بأزمة 20 فبراير التي ساهم فيها الحزب في إنقاذ البلد من مصير بلدان أخرى، يتم فيها جمع أربعة أحزاب سياسية لكي يَحني حزبنا رأسه”. نعم نصدّقك أسي بنكيران ولكن:
هل تجرؤ على الإفصاح عن هؤلاء “التماسيح والعفاريت” رغم أنك تعرفهم وتعرف عناوينهم، بحكم أنك كنت قريبا منهم عندما كنت رئيسا للحكومة؟ أجزم أنك لن تقدر، لأنك أجبن من أن تفعل ذلك ولو تلميحا!
بنكيران في خطابه هذا، عاد إلى هوايته المفضلة، وهي سياسة الابتزاز السياسي للدولة، وذلك من خلال تقديم حزبه منقذ الملكية من السقوط، ومن خلال تذكير من يهمّهم الأمر، بدور حزبه تجنيب المغرب الاضطراب السياسي الذي عاشته بعض الدول إبان الربيع العربي، وهي رسالة مبطّنة، فيها تهديد ووعيد بالنزول إلى الشارع، في حالة الإمعان في استهداف حزبه وإقصائه.
يبدو أن السيد عبد الاله بنكيران، يدرك تمام الإدراك أن التماسيح والعفاريت لا علاقة لهم بما آل إليه حزبه اليوم، لكنه يداري ويماري لإخفاء الحقيقة.
نعم، لقد صوّت أغلب المغاربة الذين ذهبوا للمشاركة في العملية الانتخابية على حزب المصباح كأول حزب، ظنا منهم أنه سيدافع عنهم، ويحقق لهم الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية التي أخفقت كل الأحزاب التي تقلدت المسؤولية سابقا في تحقيقها، لكن عندما فضّل بنكيران الانحياز إلى الاستبداد المخزني، نبذه الشعب، ونبذ حزبه وأعاده إلى حجمه الطبيعي. والسبب في ذلك هو بنكيران نفسه. وهذه هي الحقيقة التي لا يريد بنكيران الاعتراف بها، ولا يريد أن يعترف بأنه هو من كان السبب الرئيس في تدمير حزب العدالة والتنمية، وطمس هويته بابتعاده عن هموم الشعب المغربي.
بنكيران كان يتحدث في هذا النشاط الذي نظمته نقابته، وكأن المغاربة ليست لهم ذاكرة، لكن المفاجأة كانت حينما قاطعه بعض الحاضرين بمجرد ما بدأ في إلقاء كلمته، حيث شرع بعض الحاضرين في ترديد “وا الشلاهبي.. وبنكيران الشلاهبي”.
( الشلاهبي صفة يطلقها المغاربة على من يتصف ويُعرف عنه الخداع و المكر)
وأما ما بقي من الحاضرين الذين فضلوا الصمت، فلا شك أنهم كانوا يدعون عليه في أنفسهم، كما يدعون على عزيز أخنوش.
فلاش: هناك شبه إجماع، أن الطبقة الوسطى في المغرب، أصبحت تعيش معاناة اقتصادية واجتماعية ونفسية رهيبة، فهي أصبحت -كما يرى كثيرون- أقرب إلى الطبقة الفقيرة منها إلى الطبقة الميسورة، بل هناك من يرى أنها لم تعد موجودة.
أصابع الاتهام تتجه إلى حكومة عزيز أخنوش، التي من بين الأهداف التي جاءت لتشتغل عليها هي القضاء على الطبقة الوسطى ومحوها من الوجود، وذلك كي لا تقوم بالدور المنوط لها في ضمان التوازن الاجتماعي، وتحريك عجلة الاقتصاد بفضل مساهمتها في تشجيع الاستهلاك والادخار الداخلي.
يرى أحد الخبراء الاقتصاديين المغاربة، أن المغرب لم يعرف نفس السيناريو الذي عرفته بعض البلدان، حيث واكب فيها تطور الاقتصاد توسع الطبقة الوسطى. مشيرا إلى أن التدهور الواضح للقدرة الشرائية للأسر المغربية بصفة عامة، لم يواكبه تطور الأجور في مقابل تطور الأسعار، كما أن الضريبة على الدخل (لم تقم الحكومة بمراجعتها كما وعدت بذلك) قد ساهمت في إنهاك الطبقة الوسطى. في حين نشأت شريحة انتهازية من الأثرياء الجدد، وهي تلك التي تستفيد من الريع ومن المداخيل غير المشروعة.
تقلص الطبقة الوسطى يعني أيضاً تبخر أحلام كثيرين من الموظفين والمهنيين الشباب في امتلاك مساكنهم وضمان تعليم جيد لأبنائهم وعيش لائق لأسرهم. وقد دفعت تلك المخاوف ما يزيد على 40 ألف مهندس إلى مغادرة البلاد في أقل من ست سنوات، كما غادر ما يزيد على عشرة آلاف طبيب إلى الخارج بحثاً عن آفاق مهنية ومادية أرحب، ولعل هذا ما كانت تسعى إليه حكومة الكومبرادوري عزيز أخنوش، المتلبِّسة بتضارب المصالح.