بقلم : ذ. إدريس رحاوي
في ظل التحديات الراهنة التي تواجه مغاربة العالم، يظهر بوضوح أن تطوير العرض الثقافي الخاص بهم بات ضرورة ملحة لا يمكن تجاهلها. إن الاعتماد على الأفكار المحلية الصادرة من العاصمة الرباط فقط لا يفي بالغرض، بل يجب إشراك المبدعين والمثقفين المغاربة في الخارج في صياغة هذه الرؤية الثقافية. فهؤلاء المغاربة الذين يعيشون في مجتمعات متعددة الثقافات يمتلكون تجارب ورؤى عابرة للحدود، تسمح لهم بتقديم مقاربات ثقافية أكثر شمولاً وثراءً.
الثقافة ليست مجرد إنتاج محلي محدود، بل هي حوار مستمر بين الهويات والتجارب المختلفة، وهو ما يعزز الحاجة إلى تبني مفهوم “الثقافة المتقاطعة”. هذا المفهوم يتيح لمغاربة العالم التفاعل الإيجابي مع ثقافات الدول التي يعيشون فيها، ومن ثم إعادة تقديم هذه التفاعلات الثقافية على الساحة المغربية. هذا النوع من التجاذبات الثقافية يمكن أن يعزز من مكانة المغرب كمنصة ثقافية رائدة، ويدعم تطلعات المغاربة في الداخل والخارج على حد سواء.
على المسؤولين اليوم أن يفتحوا المجال أمام مغاربة العالم، ليس فقط للاشتراك في الأنشطة الثقافية، بل للمساهمة بشكل مباشر في صياغة رؤية ثقافية شاملة تعبر عنهم وعن هويتهم المتعددة. السياسة الثقافية الحالية تعاني من أزمة حقيقية تحتاج إلى معالجة عاجلة، فالثقافة ليست مجرد وسيلة ترفيه أو نشاط جانبي، بل هي رأس مال بشري يجب الاستثمار فيه بعناية. الثقافة هي صناعة تحتاج إلى كوادر مؤهلة وخبراء ذوي استحقاقات معرفية، وليس مجرد موظفين يُعينون من قبل وزارة الخارجية للإشراف على الثقافة داخل السفرات كأن الثقافة روتين إداري يمكن اي موظف القيام به
مغاربة العالم يعيشون اليوم في مجتمعات تواجه تحديات معقدة، سواء من حيث الحفاظ على هويتهم الثقافية أو في مواجهة الضغوطات الاجتماعية والثقافية التي تحيط بهم. ومع ذلك، فإن الجهود المبذولة لدعمهم ثقافيًا ما زالت محدودة وسطحية. الأنشطة غالبًا ما تقتصر على السهرات الفنية وبعض الأنشطة القنصلية الضعيفة، وهي لا تساهم بشكل فعال في تعزيز الروابط العميقة بين المغاربة في الخارج ووطنهم الأم.
الثقافة ليست مجرد حفلات واحتفالات، بل هي وسيلة للتأثير والتغيير. إنها أداة قوية لبناء الهوية وتعزيز الانتماء، وهي تحتاج إلى استراتيجيات واضحة ومبنية على فهم عميق لاحتياجات أجيال مغاربة العالم. الأجيال الجديدة تبحث عن حاضن ثقافي حقيقي يربطهم بجذورهم المغربية، ويعزز إحساسهم بالانتماء للوطن. لكن ما نراه اليوم هو أن هذه الأجيال تُترك دون دعم حقيقي، مما يجعلها عرضة لفقدان الارتباط بوطنها وتكون عرضة إلى تيارات عدوانية وارهابية
الإشراف الثقافي على مغاربة العالم يجب أن يتجاوز الأنشطة السطحية ليشمل سياسات حقيقية تقوم على إعداد كوادر مؤهلة تفهم الثقافة بمختلف أبعادها وتكون قادرة على صياغة حلول ثقافية تواكب تطلعات المغاربة في الخارج. الثقافة هي علم وصناعة تحتاج إلى اهتمام دائم وتطوير مستمر وخاصة في زمننا المتسارع والمتجدد
إذا استمرت الأزمة الحالية دون تدخل جاد، فإن أجيال مغاربة العالم سيجدون أنفسهم في مهب الريح، مع فقدان الهوية الثقافية والارتباط بالوطن. لذا، يجب أن تكون هناك رؤية ثقافية جديدة تعتمد على الاستفادة من خبرات المغاربة المبدعين والمثقفين في الخارج، وتوجيه الاستثمارات الثقافية بشكل صحيح لإقامة صناعة ثقافية خاص بهذه الفئة من المغاربة حتى ننجب ما لا تحمد عقباه وننقذ اجيال سيحتاجها المغرب كل حين
المسؤولية اليوم تقع على عاتق الجميع، بدءًا من الحكومة والمؤسسات المشرفة على مغاربة العالم وصولًا إلى المجتمع المدني. نحتاج إلى رؤية جديدة وشاملة تتعامل مع الثقافة كمحور استراتيجي للحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيزها بين أجيال مغاربة العالم ناقوس الخطر يدق ويلوح بان الأمن الثقافي لمغاربة العالم يعيش أزمة خانقة ونزيف حاد يطلب التدخل السريع لإنقاذ ماتبقى من أجيالنا.