
بقلم: محمدالعربي /بروكسيل
رغم الضجة الإعلامية والإشهارات الكثيفة التي سبقت الحدث، ورغم الوعود التي أُطلقت هنا وهناك بأن يكون الحفل “الأفضل والأروع”، إلا أن الواقع كان مؤلماً ومخيّباً للآمال. فقد تحوّل ما كان يُنتظر أن يكون مناسبة فنية راقية إلى عرضٍ باهتٍ، افتقد أبسط مقومات التنظيم والاحتراف، لتتجسد أمام الحضور لوحة من الفوضى وسوء التدبير.
الحفل الذي رُوِّج له على نطاق واسع، استغل بعض المؤثرين والمؤثرات قلوب الناس البسطاء الذين صدّقوا الدعاية البراقة، فهرعوا إلى اقتناء التذاكر وحضور أمسية قيل إنها ستُحدث الفارق، لكنها لم تقدم شيئاً يُذكر سوى المزيد من خيبات الأمل. لقد كانت النتيجة صادمة؛ لا تناغم في الفقرات، ولا احترام للوقت، ولا لمشاعر جمهور جاء طامعاً في الفن، فعاد مثقلاً بالندم.
الأدهى من ذلك، أنّ بعض من يسمّون أنفسهم “مؤثرين” وجدوا في هذا الحفل فرصةً جديدة لالتقاط الصور واستعراض الذات في “مستنقع الشهرة الزائفة”، بدل المساهمة في الرفع من قيمة الفن والمشهد الثقافي. فبين الكاميرات والابتسامات المصطنعة، ضاع جوهر الحفل وضاعت معه صورة الجدية والالتزام.
ورغم مشاركة فنانين ذوي قيمة واسم لامع في الساحة الفنية، فإنّ ضعف التنظيم وسوء الإدارة والتخبط في البرمجة جعل حضورهم باهتاً، وكأنهم ضيوف على فوضى لا علاقة لها بالفن ولا بالاحتراف.
لقد كان الحفل مثالاً صارخاً لما يحدث حين يُستبدل العمل الجادّ بالضجيج، والموهبة الحقيقية بالبهرجة، والإبداع الصادق بالبحث عن اللايكات والمشاهدات. فكانت النتيجة حفلًا لا رؤية له، ولا مستوى يليق بما وُعد به الجمهور.
يمكن القول إن الفشل لم يكن صدفة، بل نتيجة طبيعية لتخطيط ضعيف، ونظرة سطحية ترى في الفن وسيلة للربح السريع لا رسالة راقية تُقدَّم بذوق ومسؤولية، تحت غطاء ذكرى المسيرة الخضراء ، زيادة على النفاق الاجتماعي لبعض المؤثرين والمؤثرات الذين يختبؤون كذلك تحت شعار الوطنية وهم يعلمون ان استغلال الاعياد الوطنية من اجل الربح شيئ يرفضه القانون وترفضه الوطنية الحقة , إلى بعض سكان تيك توك الذين ضلّوا طريقهم في وهم الشهرة… تدّعون حبّ الوطن وعدم المساس بالمقدسات، بينما أنتم أول من يبيع المبادئ في سوق الظهور الزائف، مشاركتكم في حفل يستغل اسم المسيرة الخضراء لا تشرف أحداً، فالمسيرة بريئة منكم ومن نفاقكم، الوطنية أفعال لا هتافات فارغة أمام الكامرا،
في مشهدٍ يثير الأسى قبل الغضب، تحوّلت ذكرى المسيرة الخضراء — تلك الملحمة الوطنية الخالدة التي سطّر فيها المغاربة أروع صور الوحدة والتلاحم إلى مجرد حفلٍ ربحيٍّ صاخب، تُباع فيه التذاكر باسم الوطن وتُستغل فيه الرموز الوطنية لأهداف تجارية ضيقة.
كيف يُعقل أن يُنظَّم حفل باسم المسيرة الخضراء، ويحصل منظّمه على دعم مادي من الدولة، ثم يُفرض على الجالية المغربية في المهجر دفع ثمن الدخول؟ أيّ منطقٍ هذا الذي يجعل من مناسبة وطنية عزيزة سلعة تُعرض في مزاد الشهرة والمال؟
وما يزيد الاستغراب، بل الأسف، هو حضور بعض الشخصيات الرسمية وعلى رأسهم سفير المغرب ببلجيكاوالقنصل العام ببروكسل، الذين يفترض فيهم أن يكونوا أول من يدافع عن قدسية الرموز الوطنية، لا أن يزكّون الحفلات ، رغم عدم حضورهم في مسيرات تنظم بنفس الذكرى المجيدة لجمعيات معروفة بوفائها واخلاصها لحب الوطن و الملك، لكن تبين الان ان المسؤولين يحبون تواجدهم في الميدان الفني لا السياسي للاسف، هل حضورهم كان مجاملةً لصديق مقرّب؟ أم أنه مجرّد دور في مسرحية هزلية عنوانها “الربح السريع باسم الوطنية”؟
إنّ استغلال ذكرى المسيرة الخضراء في حفلات هدفها الإشهار والربح ليس تكريماً للوطن، بل إهانة لقيم المسيرة نفسها، تلك التي كانت رمزاً للعطاء والتطوع والوحدة. واليوم، للأسف، صارت بعض النفوس الصغيرة تحوّلها إلى وسيلة للكسب المادي والظهور الإعلامي، متجاهلة أن الوطنية لا تُقاس بعدد الدعوات أو الكراسي في الصفوف الأولى، بل بما يُقدَّم للوطن من إخلاصٍ ونزاهةٍ وشرف.
يبقى السؤال مفتوحاً أمام كل مسؤولٍ شريف ووطنيٍّ غيور:
إلى متى سنسمح بتحويل مناسباتنا الوطنية إلى حفلات ربحية تُباع فيها القيم، وتُشترى فيها الوجوه؟
يجب اعادة النظر في اختيار الوجوه السياسية التي ستخدم الجالية بكل روح وطنية .
