
مغرب العالم/الصحافي يوسف دانون
أيّ مهزلة أعظم من أن ترى رجلا يتخفّى وراء لحية مستعارة وصوت متصنّع، يطلّ عبر لايفات “تيك توك”، ليقدّم نفسه فقيها وهو في الحقيقة لا يملك من الفقه إلا لسانا متدحرجاً بين النابية والسوقية؟
هذا “الفقيه اللايفي” صعد لا عبر العلم ولا عبر الكتب، بل عبر تعليقات المراهقين وإعجابات المملّين من الفراغ. جعل من الدين مادة تسلية، ومن عمامته شعار إعلان، ومن اللايف منبرا يبيع فيه كلاما ساقطا مغلفا بآيات مبتورة، لا حياء فيها ولا احترام لقدسية الكلمة.
هو لا يخاطب عقول الناس، بل غرائزهم؛ لا يرفع هممهم، بل يثير ضحكاتهم على السقوط؛ لا يستشهد بالقرآن ليُضيء، بل ليُغطّي فضائحه الكلامية. لقد تحوّل إلى مهرّج ديني، يظن أن رفع الصوت وشتم الخصوم هو الفقه، وأن الابتذال عبقرية، وأن “الترند” دليل نجاح.
إنه مثال صارخ على زمن الانحدار: حين يُستبدل الكتاب بالموبايل، والخطبة بالفلتر، والعلم بالشتيمة. وهكذا يصبح الدين عنده سلعة ترويجية تُباع بثمن رخيص: لايف جديد، كلمات أوطى من الشارع، وقطيع متابعين يصفّقون لضحالته.
لكن، مهما طال العرض، يظلّ “الفقيه التيك توكي” كالمهرج: لحظة ينطفئ اللايف ينطفئ وجوده، ولا يبقى له في ذاكرة الناس سوى صورة كاريكاتورية مضحكة، شاهدة على سقوط جيل من أدعياء الدين الذين ظنّوا أن العمامة بطاقة دخول إلى الشهرة.
الدين أسمى من أن يكون مسرحية، وأعظم من أن يُبتذل في لايفات، وأبقى من أن يسقط بسقوط هؤلاء المهرّجين.