بقلم: محمد الحراق *
* كاتب وباحث مقيم ببروكسيل
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية بالمغرب المرتقبة، تظهر بعض الأصوات السياسية من الداخل في محاولة لاستقطاب مغاربة العالم إلى صفوفها.
وفي مفاجأة غريبة تحمل في طياتها نوعا من الغزل السياسي، اقترحت هذه الأخيرة تخصيص 30 مقعدا لمغاربة العالم، مما يطرح العديد من الأسئلة في الداخل والخارج، لماذا هذا الرقم بالذات؟ وهل المغرب في حاجة إلى المزيد في عدد مقاعد البرلمان في هذه الظرفية؟ وهل مغاربة العالم سيستفيدون منها فعلا؟
الإشكالية المطروحة والتي تثير الاستغراب، وتبين أن النخبة السياسية ببلادنا تغرد خارج السرب، ولا تنتمي لهذا الواقع، ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه مغاربة العالم، والمغاربة عموما إجابات وحلولا استعجالية للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد بسبب جائحة “كورونا”، وتراكم الديون الخارجية التي بلغت 334 مليار درهم، والداخلية أكثر من 181 مليار درهم.
وفي الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظر ترشيد النفقات العمومية بتقليص عدد مقاعد البرلمان والكثير من المؤسسات التي لا دور لها، والحد من هدر المال عن طريق التعويضات والامتيازات الخيالية لبعض الوزراء والمسؤولين، نجد أن الأحزاب تقترح شيئا آخر خارج هذا السياق تماما، أو لنقل بصراحة على عكس الإرادة الشعبية، هو الزيادة في عدد المقاعد بالبرلمان متسترين تحت اسم وشجرة مغاربة العالم.
لنبدأ بالإشكالية الأولى، فهل المغرب فعلا في حاجة إلى هذه المقاعد؟ وللإجابة بمنهجية علمية، يجب أن نقارن أنفسنا ببعض الدول التي سبقتنا في العملية الانتخابية والديمقراطية بقرون، والتي تفوق المغرب مساحة وتفوقه ديمغرافيا، فالجارة إسبانيا مثلا، لا يتجاوز عدد البرلمانيين بها 350 مقعدا، وبجوارها فرنسا بـ 348 مقعدا، أما ببلجيكا، فلا نجد سوى 115 برلمانيا (بسبب صغر حجمها وعدد سكانها أقل من مساحة وسكان المغرب بالنصف بفارق قريب)، أما إذا ذهبنا إلى القارة الأمريكية، فنجد أن كندا على كبر مساحتها لا يتجاوز عدد مقاعد البرلمان بها 338. بل إن المفاجأة الكبرى، أننا نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية على كبر حجمها وكثرة ولاياتها، والتي هي بحجم بعض الدول، لا تتجاوز المقاعد 438.
والأكيد أيضا، أن مشاكل هذه الدول وتحدياتها وتوافقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعرقية، لا يمكن أن تكون أقل شأنا من التحديات التي يواجهها المغرب، حتى نعطي مبررات لنزيد من عدد المقاعد بالبرلمان في ظرفية اقتصادية هشة، بسبب الديون المتراكمة ومخلفات أزمة “كورونا” التي أضرت حتى بالدول العظمى التي بدأت بكل صرامة في ترشيد نفقاتها تحسبا لما هو قادم.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يطرح مغاربة العالم التساؤل التالي: لماذا يتم التلويح بورقة المشاركة السياسية لمغاربة العالم الآن؟ هل الأحزاب السياسية جادة في هذا المطلب، أم أنها مجرد محاولة لاستقطاب هذه الفئة المهمشة؟ وهل هذه فعلا هي مطالب مغاربة العالم وانتظاراتها، أم أنه سيتم التحايل على هذا الصوت المزعج من الخارج لإسكاته بـ”كوطا” لا تمثله في الواقع؟
عندما تطرح هذا التساؤلات والإشكاليات على أي مسؤول سياسي أو حزبي، يجيبك بأن المشاركة السياسية لمغاربة العالم مضمونة دستوريا بالفصل 17 الذي يقول: ((يتمتع المغاربة المقيمون بالخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات…))، ولكنهم لا يكملون نص هذا الفصل من الدستور، وكأنهم يقرؤون قول الله تعالى: ((ويل للمصلين)) دون إكمال باقي السورة، فإذا أتممنا باقي جمل الفصل 17، سنرى بوضوح ما يجب فعله دون مزايدات أو مناورات، أو هذه هي إطلاق البالونات للاختبار، أو إلهاء مغاربة الخارج في صراعات وتجاذبات فارغة على قضايا لا تمس جوهر انتظارات ناضلوا من أجلها سنوات عجاف، وهناك من أفنوا أعمارهم في انتظارها ولم تأت بعد.
فما ينتظره مغاربة العالم حقيقة، هو التطبيق الكامل لنص وفحوى ومدلول ومنطوق الفصل 17 الذي جاء فيه: ((… ويحدد القانون المعايير الخاصة بالأهلية للانتخابات وحالات التنافي، كما يحدد شروط وكيفيات الممارسة الفعلية لحق التصويت وحق الترشيح انطلاقا من بلدان الإقامة))، فالجملة الأخيرة واضحة تماما لا تقبل أي تحوير أو تغيير بتأويلات عكسية، وتنص بدلالة قطعية على إصدار قانون يحدد شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق الدستوري، الذي هو ليس منة من الأحزاب السياسية أو ورقة انتخابية، لاستغلال هذه الورقة لتوسيع فرص نيل المزيد من المقاعد، وبالتالي المزيد من إثقال كاهل ميزانية الدولة بمزيد من النفقات، كما أن مكونات مغاربة العالم لا تهدد مصالح الأحزاب في الانتخابات، لأنها ليست قوة اقتراعية، وبالتالي، ليس هناك صوت بالبرلمان يضغط ليتم تنزيل هذه الفقرة الحاسمة منذ إقرارها في دستور 2011 الذي استبشروا به خيرا بإنصافهم بمنطوق نص صريح لا يقبل التأويل أو المناورة على هذا الحق الدستوري.