أمين بوشعيب/ إيطاليا
في شهر أكتوبر من السنة الجارية، أطلق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي استشارة مواطنة مع مغاربة العالم، عبر منصته الرقمية، وبهذا الخصوص ذكر المجلس في بلاغ له أنه “في إطار إعداد دراسته حول قضايا مغاربة العالم، وبلورة مسالك التفكير والعمل الكفيلة بتوطيد روابط الانتماء ببلدهم الأم، وتعزيز مساهمتهم في دينامية تنمية البلاد، أطلق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي استشارة مواطنة عبر منصته الرقمية من أجل استقاء تمثلات مغاربة العالم وآرائهم واقتراحاتهم بهذا الشأن”.
ولبلوغ الهدف المنشود، وضع المجلس استبيانا بسبع لغات (العربية، الإنجليزية، الألمانية، الإسبانية، الفرنسية، الهولندية، والإيطالية) موجها إلى مغاربة العالم، أيا كانت بلدان مولدهم أو إقامتهم أو الجنسيات الإضافية التي يحملونها. وذلك من أجل تعميق التفكير بشأن الأسئلة التالية: 1) كيف يمكن حماية حقوق ومصالح مغاربة العالم في الخارج وداخل أرض الوطن على نحو أفضل؟ 2) كيف يمكن إشراك مغاربة العالم بشكل أفضل في إنجاح النموذج التنموي الوطني؟ 3) كيف يمكن تذليل العقبات وتعزيز التمثيلية والمشاركة الفاعلة لمغاربة العالم في بلورة السياسات العمومية التي تعنيهم؟
وفي الأخير أشار البلاغ إلى أن إجابات المشاركات والمشاركين في الاستشارة ستساهم في إغناء التحليلات والتوصيات التي سيتقدم بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من أجل تقوية روابط الانتماء، وتوسيع وتحسين جودة الخدمات التي تستهدف هذه الشريحة الواسعة من المغاربة، وذلك بما يمكن من تعزيز مساهمتهم في الدينامية السياسية والاقتصادية والتنموية للمغرب.
وبعد مرور شهرين تقريبا على إطلاقه هذه الاستشارة، قدّم رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في ندوة صحفية، مضامين الرأي الذي أعده حول مغاربة العالم تحت عنوان “تمتين الرابط الجيلي مع مغاربة العالم. الفرص والتحديات”. أشار فيه بأن هذا الرأي يعتبر ثمرة مخرجات الاستشارة المواطنة، التي أطلقها المجلس حول الموضوع على منصته الرقمية في شهر أكتوبر 2022، وتبعا لذلك، قدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عددا من التوصيات من أجل النهوض بأوضاع مغاربة العالم.وفي هذا الصدد طالب المجلس بتكليف وزير منتدب لدى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج بمهمة الإشراف على بلورة وحسن تنفيذ الاستراتيجية المتعلقة بمغاربة العالم. كما دعا إلى الارتقاء بأدوار مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج بجعلها مؤسسة عمومية استراتيجية خاصة بمغاربة العالم تشكل الذراع التنفيذي لتنزيل الاستراتيجية، بتنسيق مع مختلِف الجهات الفاعلة والأطراف المعنية. وأوصى كذلك بأن تكون مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تحت إشراف الوزير المنتدب المكلف بمغاربة العالم، ويترأس مجلس إدارتها، وطالب بتخويلها الاختصاصات والموارد اللازمة للاضطلاع بمهامها على نحو أمثل. في السياق ذاته، طالب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالارتقاء باللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة إلى لجنة استراتيجية عليا، محدثة لدى رئيس الحكومة ومكلفة حصريا بقضايا مغاربة العالم. واقترح أن تضم هذه اللجنة مختلف الأطراف المعنية، وأن توكل إليها سلطات واسعة في مجالي المتابعة والتحكيم المرتبطين بتنفيذ البرامج الموجهة إلى مغاربة العالم.
عندما هاجر مغاربة العالم في أرض الله الواسعة، لم يكن لهم من زاد سوى سواعدهم وعقولهم، ضاق بهم الوطن، فلم يجدوا بدّا من المغادرة، فثروة البلد ومناصب الشغل هي حكر على أبناء الطبقة السياسية والمسؤولين والنافذين في دواليب الإدارة والقرار السياسي. لكن بعد أن أغناهم الله من فضله لم ينسوْا وطنهم الأم، وبقُوا مرتبطين به بوجدانهم، يساهمون في تنميته، بتحويلات أموالهم من العملة الصعبة، التي تعمل على إنعاش الاقتصاد المغربي.
هكذا كانت علاقة الجيل الأول من مغاربة لعالم مع وطنهم الأم، ومع إخوانهم المغاربة، علاقة تتّسم بالود والتعاون والتضامن، يتابعون أخبار الوطن وأحواله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهي نفس العلاقة التي أورثوها للأجيال اللاحقة، على الرغم من أنهم وُلدوا بعيدا عن أرض الوطن. ولعل ما قدمه لاعبو مغاربة العالم في مونديال قطر، فيه جواب كافٍ على كل من يشكك في وطنية هاته الأجيال التي وُلدت وترعرعت في بلاد المهجر.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يعترف بأن الهجرة قد أتاحت لمغاربة العالم توسيعَ آفاقهم وتحسين ظروف عيشهم وأوضاع أسرهم وإثراء تجاربهم، فهم يرتقون بين عوالم اجتماعية وثقافية مختلفة من حيث الموروث التاريخي والهوية والبيئة المعيشية والمناخ السياسي. ثُمَّ إنهم يَنفعون بعملهم وطاقتهم الإبداعية ومواردهم في المجتمعات التي تحتضنهم وبلدهم الأصل على حّدٍّ سواء. وبهذا الصدد لا بد من التذكير، بأن مغاربة العالم أصبحوا يشكلون نحو 15 في المائة من مجموع ساكنة المملكة المغربية، ويساهمون بأزيد من 7 في المائة من ناتجها الداخلي الإجمالي. وبعد كل هذا يتساءل مغاربة العالم : ماذا بعد هذا الاعتراف؟ بل ما هذا الجحود بعد الاعتراف؟ فما الفرق بين ما جاء في هذا التقرير، وما جاء في تقرير مجلس الجالية الذي يقف ضد مشاركة مغاربة العالم السياسية، وتمثيلهم في البرلمان؟
فلاش: إن ارتباط مغاربة المغاربة بالوطن ليس مشروطا، وتبقى كل التقارير والآراء التي تصدر عن هذا المجلس أو ذاك لا تزيد ولا تنقص من حبهم لوطنهم الأم، وقد ضربوا في ذلك أروع الأمثلة، ولنأخذ حكيم زياش مثالا لذلك، هذا الشاب المغربي -الذي يلقب بـ”الساحر المغربي” ولد في هولندا، ثم بدأ مسيرته الرياضية عام 2001 من خلال “نادي هولندي. وتدرج في العديد من الفرق هناك، حتى انتقل إلى “أياكس أمستردام” ثم “تشلسي” الإنجليزي. فعندما سطع نجم هذا الشاب بدأ المنتخبان الهولندي والمغربي، يحاول كل واحد منهما ضمّه إلى صفوفه، لكنه اختار وطنه الأول المغرب. وكان أشهر تصريح له لما سُئل عن سبب اختياره قال ” قلبي هو الذي اختار، فدمي ليس برتقاليا كي ألعب لهولندا، دمي أحمر مثل علم المغرب”. ورغم أنه دفع ثمنا بسبب هذا الاختيار حيث تمّ استهدافه بعبارات عنصرية ورشقه في الملاعب. ووصفه بـالغبي. ومع ذلك لم يشتكِ لأحد أنه قد أساء الاختيار بل بقي معتزا باختياره. يا أيها المسؤولون في المغرب تعلموا من مغاربة العالم حب الوطن، وحب الانتماء للوطن، وحب التضحية في سبيل الوطن.