
الدكتور عادل بن حمزة

يوم 19 آذار/مارس الماضي أصدر معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسات العامة، تقريرا عن عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ووصفها بـ ”الفاشلة”. مؤكدا أن بعض البعثات لا تُعدّ فقط مجرد إخفاقات باهظة التكلفة، بل إنها تساهم في بقاء الصراعات قائمة، مقدما بعثة المينورسو وهي بعثة أسست في سياق مسلسل التسوية سنة 1991 لتنظيم الاستفتاء في الصحراء المغربية، نموذج لتلك البعثات والتي بالمناسبة تستهلك ملايين الدولارات بلاطائل وذلك لعدة أسباب.
عرف ملف الصحراء المغربية في السنوات الأخيرة تحولات عميقة غيرت من طبيعة النقاش ومخرجاته، لتنتقل من أطروحة الاستفتاء التي ظلت تؤطر مهمة بعثة “المينورسو” (MINURSO)، إلى منطق الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي يحظى بدعم دولي تزايد والذي تقدم به المغرب منذ سنة 2007. أمام هذا التحول، يصبح من المشروع التساؤل عن جدوى استمرار البعثة الأممية أو على الأقل بنفس المهمة، إذ أصبحت الحاجة ملحة لجهة تعديل صلاحياتها لتتلاءم مع معطيات الواقع السياسي والدبلوماسي الجديد، خاصة أمام موجة الاعترافات الدولية الوازنة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
لقد تبنى مجلس الأمن الدولي بشكل واضح منذ سنوات المبادرة المغربية للحكم الذاتي، واعتبرها “جدية وذات مصداقية”، وهو توصيف ديبلوماسي يعكس دعمًا واضحا للمقترح المغربي كأرضية واقعية للتفاوض، بعيدا عن أطروحات متجاوزة وغير قابلة للتنفيذ، وعلى رأسها تنظيم استفتاء لتقرير المصير. هذا الاستفتاء الذي ظل شعارًا مركزيا لجبهة البوليساريو الانفصالية ومن ورائها الجزائر، اصطدم بمعضلة تحديد الهوية، المفارقة أن الجزائر التي تدعم تنظيم الاستفتاء، ترفض مجرد إحصاء المحتجزين في مخيمات تندوف وتمكينهم من حقوق اللاجئين كما هو منصوص عليها في القوانين الدولية ذات الصلة وفي صدارتها الحق في وهو رفض لا يجد له أي مبرر قانوني، بل يضع الأمم المتحدة أمام مسؤولية أخلاقية وسياسية إزاء استمرار هذا الوضع غير الإنساني.
إن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، إلى جانب الاعتراف الفرنسي بالغ الدلالة والتأثير، وهما دولتان دائمتا العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى الاعتراف الإسباني التاريخي، يعزز من منطق أن لا حل خارج مقترح الحكم الذاتي. وفي هذا السياق، فإن الإبقاء على بعثة أممية بمهمة مرتبطة بتنظيم استفتاء أضحى متعذرا بل ومستحيلا، يطرح علامات استفهام كبرى حول نجاعتها ووجاهة استمرارها بنفس الشكل.
إلى جانب هذا التحول السياسي، برزت تطورات ميدانية لا تقل أهمية. فقد أعلنت جبهة البوليساريو سنة 2020 إنهاء وقف إطلاق النار، وشرعت في هجمات متقطعة تستهدف الجدار الأمني المغربي، وهو ما ينسف الأساس الذي أنشئت عليه بعثة “المينورسو”، باعتبارها بعثة لحفظ السلام. هذا المعطى الميداني يدفع نحو مراجعة شاملة لدورها، خاصة في ظل محدودية تدخلها، بل وحيادها السلبي في العديد من الخروقات التي تمارسها الجبهة الانفصالية، وقد ظهر ذلك في تقارير المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا.
كما أن فتح المغرب وموريتانيا معابر تجارية تربط بين مدن البلدين وتخترق المنطقة العازلة في الصحراء المغربية بالإضافة إلى معبر الكركرات وعودة النشاط التجاري بشكل طبيعي، يؤكد على أن السيادة المغربية على الأرض أمر واقع، لا يمكن تجاوزه. والأمم المتحدة بدورها عاينت هذا الواقع دون أن تسجل أي خرق للقانون الدولي، ما يكرس منطق الأمر الواقع لصالح المغرب.
أمام هذا المشهد المركب، يبدو أن الوقت قد حان لمساءلة بعثة “المينورسو” عن دورها الفعلي، وجدوى استمرارها في ظل متغيرات واضحة لا يمكن إنكارها. إما أن يتم تعديل مهمتها لتواكب مقترحات الحل السياسي الواقعي، وعلى رأسها الحكم الذاتي، أو يتم التفكير في إنهاء دورها بشكل كامل، طالما أن وظيفتها الأصلية أصبحت خارج النقاش الدولي.
إن بقاء “المينورسو” في صيغتها الحالية لا يخدم سوى من يسعى إلى تجميد النزاع واستغلاله كورقة سياسية. أما القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة، فعليها الدفع نحو مقاربة جديدة تنسجم مع التحولات الجيوسياسية والميدانية، وترتكز على الواقعية والبراغماتية، بدل الاستمرار في مسارات لم تعد قابلة للتنفيذ.