الصحافي أمين بوشعيب/إيطاليا
ما حدث يوم 15 سبتمبر 2024 يعتبر فضيحة غير مسبوقة في المغرب، إذ لم يسبق أن قام آلاف الشباب والقاصرين بمحاولة اقتحام السياج الحدودي الرابط بين مدينة الفنيدق المغربية ومدينة سبتة المغربية الخاضعة للاحتلال الإسباني، من أجل الخلاص.
لماذا هي فضيحة كبرى، لأنه قبل يومين فقط خرج أخنوش على مناصريه مزهوا بنتائج الانتخابات الجزئية، فأخذته العزة، فنسي نفسه، وأطلق العنان للسانه، فبدأ يهذي بكلام بعيد كل البعد عن الواقع المعيش، وقال كلاما كثيرا، ومن جملة ما قال: “إن حكومته حققت ما لم يمكن تحقيقه في الجانب الاجتماعي على مر العقود، وأن ما أقدمت عليه يُعد “ثورة اجتماعية غير مسبوقة” جعلت المغرب أول دولة اجتماعية في القارة الإفريقية”
فجاءه الردّ سريعا من شباب مغاربة لم يجدوا لهم مكانا في دولة أخنوش المزعومة وقالوا: اعلم السيد رئيس الحكومة أننا نشعر بإحباط شديد، وتساورنا شكوك كثيرة تملأ قلوبنا أسى وألما.. نشعر بعزلة مؤلمة جداً وليل مظلم كليل في هذه الصحراء، لأن حكومتك تخلّت عنا، لذلك قررنا مغادرة الوطن، لأنه لم يعد لنا فيه مكان، ولأن المفسدين -وأنت واحد منهم- قد انقضّوا على ثرواته واحتكروها لأنفسهم ولأبنائهم. لقد أصبح الوطن بضاعةً لحزبٍك ومن يدور في فلكه، ولم يعد عنوانا للبيت الكبير الذي يجتمع فيه كلّ أهله تحت سقف واحد، ويجمعهم مصير واحد.
نعم إنها الحقيقة، فالشباب المغربي اليوم يعاني من سوء الأوضاع، وهذا ما كشفه تقرير المرصد الوطني للتنمية البشرية، الذي أدلى بمعطيات صادمة حول وضعية الشباب في المغرب؛ حيث بيّن البحث الذي قام به المرصد أن 83.3 % من الشباب المغاربة غير راضين عن حياتهم لأسباب متنوعة، منها ظروف السكن وصعوبة إيجاد عمل. كما كشف التقرير أن الدينامية الإيجابية للتنمية البشرية التي عرفها المغرب منذ بداية التسعينيات عرفت تباطؤا بسبب الهدر المدرسي وانخفاض مستويات الدخل، وتهميش الطاقات الشبابية.
كما كشف ذات التقرير، أن منسوب ثقة الشباب المغربي في المؤسسات السياسية منخفض جدا، سواء بالسلطتين التنفيذية والتشريعية أو بالأحزاب السياسية، وذلك بناء على تحليل المعطيات الرسمية وبحث ميداني قام به خبراء المرصد الوطني للتنمية البشرية.
لكن حكومة أخنوش، عوض أن تتصدى إلى الأسباب التي أدّت إلى محاولة الهروب الجماعي للشباب المغربي، والعمل بجدية لتبني سياسات فعّالة وشاملة، وتوفير فرص شغل حقيقية للشباب، أطلت علينا في شخص الناطق باسمها، لتعلن بأن “الصورة المتداولة إثر إحباط محاولة الاقتحام الجماعي للمعبر الحدودي (بين الفنيدق وسبتة المحتلة) هي موضوع تحقيق من طرف الأجهزة المختصة… حيث تمّ تحريض بعض الشباب من طرف جهات غير معروفة عبر استغلال مواقع التواصل الاجتماعي، لتعبئتهم. وفي إطار محاربة دعوات التحريض هاته فقد قامت السلطات المعنية بتقديم 152 شخصا أمام أنظار العدالة، وبذلك تم إفشال كل المحاولات”. وهكذا تمكنت الحكومة بعبقريتها الفذة من حلّ المشكل، وكفى الله حكومتنا شر البحث عن الحلول الناجعة.
يجب على أخنوش وحكومته أن يعلموا أنّ المغرب اليوم يعيش تحديا كبيرا يتطلب معالجة قضايا واهتمامات الشباب لكسب الرهان وتحقيق النموذج التنموي الجديد الذي اعتمده المغرب بتوجيهات من الملك محمد السادس. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتشجيع الإنصاف بين الشباب، وإشراكهم في وضع السياسات العمومية، والتوزيع الترابي للسياسات العمومية الموجهة إليهم، والأهم من ذلك كله، زرع الأمل في نفوسهم، كي لا يكونوا عرضة للضياع والارتماء في أحضان المخدرات، وركوب قوارب الموت في سبيل الهجرة السرية. ولا يمكن لهذه الفئة الحية أن تلعب دورا في رسم المسار السياسي لمستقبل أي بلد وتنميته الاقتصادية والاجتماعية، إلا إذا كانت فاعلة لا عاطلة، فالشباب هم سبيل نهضة أي أمة وتقدم أي وطن.
مشاهد الهروب الجماعي للشباب والقاصرين من وطنهم نحو إسبانيا، أثار في نفوسنا غصة كبيرة وألما فظيعا لا يعلمه إلا الله. ولقد كنت كتبتُ عدة مقالات في هذا المنبر تحذّر من مثل هذه المآلات المخيفة، وأشرت فيها إلى أن السياسات المتّبعة من قبل هذه الحكومة لا تصب سوى في توسيع الفوارق الطبقية بين أفراد الشعب الواحد. وأن هذه الحكومة لا تضمّ سوى كائنات سياسية تتخذ من العمل السياسي وسيلة للاغتناء وقضاء المصالح الخاصة.
وبعد هذا الذي حدث، نتساءل ماذا ينقص المغرب؟ ولماذا يحاول شبابه الفرار منه؟
كما هو معلوم للجميع أن المغرب لا ينقصه شيء، فقد حباه الله موقعا استراتيجيا هاما، ويتوفر على أراضٍ صالحة للزراعة، تقدّر بملايين الهكتارات، ويمتلك واجهتين بحريتين من خلال البحر الأبيض المتوسط في الشمال، والمحيط الأطلسي في الغرب، تحويان ثروة سمكية هائلة، قل نظيرها على الصعيد العالمي، ناهيك على ثرواته الضخمة، من الصخور النفطية، والفضة، والذهب، والحديد، والنحاس، والحامض الفسفوري. كما أنه يملك 60 في المائة، من الاحتياط العالمي، من مادة الفوسفاط، التي ستتحكم في العالم مستقبلا، غذائيا وتكنولوجيا.
والأهم من هذا كله، فالمغرب غني بثرواته البشرية، لأن مجتمعه، مجتمع شاب، وهي أهمّ ثروة وطنية، وجب الاهتمام بها وتكريس كل البرامج والخطط لتطويرها نوعيا دون تمييز، وإلا فإننا نسير نحو الهاوية التي لا يعرف قرارها أحد. فمتى ستدرك هذه الحكومة أهمية الشباب، باعتبارهم قدرات كامنة وجب تعبئتها أكثر في دينامية التنمية البشرية، خاصة وأنهم يُمثلون نسبة ديمغرافية مهمة، وهو العامل الذي يُعتبر فرصة غير مسبوقة، ذات وقع مهم على المستويين الميكرو اقتصادي والماكرو اقتصادي لبلادنا، لذلك لا بد من الاستفادة من هذه الفرصة التي تمثلها كتلة الشباب عن طريق توفير الاقتصاد المغربي للوظائف اللازمة لهم. وللإشارة فهو المسار الذي سلكْته الدول الآسيوية بنجاح منذ تسعينيات القرن الماضي، في إقلاعها الاقتصادي الذي أصبح مضرب المثل بين الدول. ويبقى السؤال مطروحا، لماذا بلد كالمغرب الغني بثرواته المتنوعة، يعيش أفراده في وضعية مزرية يضطر معها شبابه إلى محاولة الهروب منه؟
فلاش: إن أصعب قرار يتخذه الإنسان هو قرار الهروب من الوطن، وإن أتعس لحظة في حياته هي حين يضطرّ إلى فراق أهله وأحبّائه، وإن أسوأ مرحلة تاريخية في عمر ذلك الإنسان، وفي تاريخ وطنه هي اللحظة التي تُغلق فيها كل المنافذ وكل الخيارات ولا يجد أمامه من مخرج سوى باب الهروب، أملا في أرض تستقبله وتوفر له شروطا لإقامة وحياة أفضل. إنها رسالة واضحة من شباب فقد الأمل في وطنه، وفي حكومته. رسالة بمثابة ناقوس خطر إلى من يهمهم الأمر، للتدخل السريع من أجل إنقاذ الأوضاع قبل فوات الأوان.