أنباء عن “صفقة” مرتقبة بين بعض مكونات الحكومة وحزب الاتحاد الاشتراكي، بهدف التأسيس لتحالف حكومي بعد انتخابات 2026، هذه الأحاديث تجد سندها في مواقف الحزب اليساري وطريقة تعاطيه مع عدد من القضايا المتعلقة بالأداء الحكومي، حيث يظهر في مواقفه نوع من البراغماتية التي توحي بأنه يتهيأ للعب دور مختلف في المرحلة المقبلة.
![](https://maghrebalalam.com/wp-content/uploads/2025/02/image_editor_output_image-697288530-17392269845541522660173245425023.jpg)
المؤشرات التي تعزز فرضية هذا التقارب متعددة، أبرزها رسائل الود التي تبادلها حزب الاتحاد الاشتراكي مع بعض مكونات الأغلبية، ما يشي بتحضير مسبق ليكون جزءًا من أي تحالف مستقبلي قد يقود الحكومة إذا ما حافظت هذه المكونات على موقعها الانتخابي، ورغم أن الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، سبق أن وصف التحالف الثلاثي الحاكم بـ”التغول”، إلا أن الواقع يشير إلى أنه بات أقرب من أي وقت مضى لهذا التحالف، لا سيما مع حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقوده رئيس الحكومة عزيز أخنوش.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يجد فيها الاتحاد الاشتراكي نفسه في مثل هذا التقارب، إذ تعود الذاكرة إلى عام 2016، حينما تحول أخنوش إلى مفاوض باسم الحزب، فارضًا مشاركته كشرط لتشكيل الحكومة، مما أدى إلى إبعاد عبد الإله بنكيران وتعويضه بسعد الدين العثماني، الذي ضم وزراء من الاتحاد الاشتراكي إلى جانب وزراء الأحرار، اليوم، وبعدما قاد أخنوش الحكومة الحالية وأقصى الاتحاد من التشكيلة الحكومية، وجد لشكر نفسه في صفوف المعارضة، رغم أنه كان يطمح لدخول الحكومة بدلًا من حزب الأصالة والمعاصرة وزعيمه عبد اللطيف وهبي، لكن الرياح لم تجر بما اشتهت سفنه.
في البداية، وبعدما أدار أخنوش ظهره للاتحاد الاشتراكي خلال تشكيل الأغلبية، أبدى الحزب استعداده للعب دور المعارضة الحادة، إذ لم يتردد لشكر في إطلاق توصيفات قاسية على التحالف الحكومي، كما لم يوفر حزب الأصالة والمعاصرة من انتقاداته، خاصة في قضية المرحوم عبد الوهاب بلفقيه، غير أن هذه النبرة سرعان ما خفتت، لتتحول المعارضة الاتحادية إلى معارضة “ناعمة” تحت قبة البرلمان، مما يعزز فرضية وجود “صفقة” تهدف إلى تحييد الحزب عن باقي مكونات المعارضة الحقيقية، التي يمثلها حزب العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية وأطراف يسارية أخرى.
من الملاحظ أيضًا أن التقارب بين الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، الذي بدأ خلال الأشهر الماضية، قد تم تجميده من طرف الأول، بعدما عبرت بعض قيادات التجمع الوطني للأحرار عن انزعاجها من نبيل بنعبد الله وحزبه، في ظل التوتر القائم بين الطرفين، وقد زاد هذا التوتر حدّة بعد رسالة مفتوحة وجهها حزب التقدم والاشتراكية إلى الحكومة، منتقدًا أداءها، ما أثار غضب أخنوش وقيادات الأحرار، وعلى رأسهم راشيد الطالبي العلمي ومصطفى بايتاس، اللذين لم يترددا في مهاجمة بنعبد الله بشكل علني.
في هذا السياق، أصبح من الواضح أن أي تقارب بين الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية بات غير مرغوب فيه من قبل الأحرار، وهو ما دفع الاتحاد إلى ترك مسافة بينه وبين المعارضة الحقيقية، كما أن الحزب حرص على التمييز بين موقفه ومواقف أحزاب المعارضة الأخرى، عبر تأسيس ما سماه بـ”المعارضة الاتحادية”، محاولة منه لإبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع الأغلبية، دون أن يبدو وكأنه يدعمها بشكل مباشر.
ومن أبرز المؤشرات على دفء العلاقة بين الطرفين، الإشادة التي تلقاها الاتحاد الاشتراكي مؤخرًا من رئيس الحكومة عزيز أخنوش داخل قبة البرلمان، في وقت كانت فيه باقي أحزاب المعارضة تشن هجومًا لاذعًا على التدبير الحكومي، كما أن موقف النقابة المقربة من الحزب، الفدرالية الديمقراطية للشغل، عزز هذه الفرضية، إذ امتنعت عن المشاركة في الإضراب العام الأخير، رغم أنها كانت من بين المؤسسين لـ”الجبهة الوطنية للدفاع عن الحق في الإضراب”، لكن سرعان ما اختفى هذا التفاعل.
كل هذه المعطيات تشير إلى أن الاتحاد الاشتراكي يستعد لخوض غمار الانتخابات المقبلة بعيون مصوبة نحو المشاركة في الحكومة القادمة، التي لن تخرج، وفق المؤشرات المتاحة، عن سيطرة الأحرار ومن يتحلقون حولهم. ولهذا، بدأت قيادة الحزب في إعادة هيكلة أجهزته جهوياً وإقليمياً، استعدادًا للاستحقاقات القادمة، عبر تحريك قطاعاته الموازية وتنظيم لقاءات مكثفة في مختلف الأقاليم، بما يعكس رغبة الحزب في التموقع كرقم صعب في أي تحالف حكومي مستقبلي.
ولعل إدريس لشكر، الذي يستعد لإنهاء ولايته على رأس الحزب، لا يخفي رغبته في أن يكون جزءًا من “حكومة المونديال”، وهو اللقب الذي يُطلق على الحكومة التي ستُفرزها انتخابات 2026، التي ستتزامن مع استضافة المغرب لكأس العالم 2030. ويبقى السؤال المطروح: هل سينجح الاتحاد الاشتراكي في حجز مقعده داخل الحكومة القادمة، أم أن حسابات 2026 ستُعيد رسم المشهد بطريقة مختلفة؟
المستقل