الدكتور عبد الله بوصوف
قد لا نكشف سرا بجردنا لأهم الانتصارات الديبلوماسية و المكاسب الاقتصادية و الاجتماعية و الرياضية و الحقوقية…التي حصدها المغرب سنة 2024…و التي كانت بالطبع نتيجة عمل ذؤوب و جهود جبارة و حكمة و بصيرة جلالة الملك محمد السادس…
و نعتقد أنه من المفيد تسليط الضوء على عنصرين مهمين ميزا سنة 2024..و حتى نكون أكثر دقة فقد كانت سنة 2024 أولا، مساحة مهمة لترسيخ فضيلة الحِلم في تعامل المغرب مع محيطه و كل خصومه..إذ لم ينهج سياسة انفعالية أو مبنية على ردود أفعال ارتجالية بل كانت كل أجوبة المغرب بخصوص أهم الملفات الساخنة سواء تعلق الأمر بملف الوحدة الترابية والوطنية المغربية أو القضية الفلسطينية – كان الجواب – بمثابة امتداد لعناصر أجوبة سابقة و تأكيدا لإعتقاد راسخ بعدالة القضيتين..الشيء الذي رسخته كل تصريحات المغرب بخصوص أحداث غزة مثلا و نبذ العنف و قتل الاطفال و المدنيين و المطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني…
و بنفس الحِلم فقد رد المغرب على الجارة الشرقية بمد يد المصالحة و التعاون منذ سنة 2008 و إلى اليوم.. و لأن المغرب عارف بغايات النظام العسكري الجزائري من تبنيه لمشروع انفصالي فاشل و احتضانه لكيان البوليساريو في مخيمات تندوف ، أولا بكلفة مالية تجاوزت مئات المليارات من الدولار و أصبحت عبئا ماليا على الشعب الجزائري الشقيق…و ثانيا بكلفة سياسية ثقيلة فرضت عليه العزلة السياسية رغم تجنيده للاقلام و الأبواق و صحف مشبوهة…كل هذا من أجل منفذ على المحيط الأطلسي…
فإن خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2024 وضع كل الخصوم والاعداء أمام قوة المقاربة الواقعية و مبادرة الحكم الذاتي كسقف وحيد و حل سياسي بعيدا عن كل جعجعة سياسية أو استهلاك إعلامي رخيص.. إذ لا يمكن التمسك بالاستفتاء بعد تخلي الأمم المتحدة عنه و استحالته أمام رفض إحصاء المحتجزين / الرهائن بمخيمات تيندوف…كما دعى ذات الخطاب كل هؤلاء الحالمين بمنفذ اطلسي الى الانخراط في المبادرة المغربية الدولية لولوج دول الساحل الى المحيط الأطلسي في إطار سقف الشراكات و التعاون و تحقيق التقدم لكل شعوب المنطقة…بما فيهم “العالم الآخر المنفصل عن الواقع “….الواقع الذي يتكلم لغة ارتفاع عدد مقرات القنصليات بمدن العيون و الداخلة بالصحراء المغربية و لغة ضخ الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية و ميناء الداخلة الأطلسي و برامج الطاقة النظيفة و محطات تحلية المياه…و غيرها..
و يبدو أن ” العالم الآخر ” لازال تحت مفعول مخدر شعارات الحرب الباردة و أوهام الماضي و لم يصدق بعد اعتراف كل من اسبانيا و فرنسا بمغربية الصحراء و بقوة مبادرة الحكم الذاتي…وهما القوتان المستعمرتان السابقتان للمغرب بكامل صحراءه…و معنى هذا امتلاكهما لكل أدوات نسف الاطروحة الانفصالية كالارشيف العسكري و الديبلوماسي و الخرائط و الرسائل التاريخية للمنطقة…مما يجعل “العالم الآخر ” أمام خيار وحيد اي الانظمام للمبادرة المغربية الأطلسية.. لأن عكس ذلك يعني البقاء في عزلة دولية و حدود ملتهبة سواء مع ليبيا أو دول الساحل و خاصة مالي و ملف قبائل الطوارق…
لقد شهدت سنة 2024 حصادا قويا للمغرب بفضل الديبلوماسية الملكية الحكيمة..كما تميزت من جانب آخر باحداث قوية على المستوى الاجتماعي خاصة تداعيات زلزال الحوز و فيضانات الجنوب…
و كالعادة فقد بصم المغرب على درس قوي في التضامن الاجتماعي و التلاحم بين العرش والشعب بما فيهم مغاربة العالم في تدبير الأزمات الكبرى الاجتماعية و الصحية ( الكوفيد 19 ) و هي اشراقات تضاف الى جهود المغرب من أجل استكمال ركائز الدولة الاجتماعية..خاصة الضمان الاجتماعي و الصحي و تطوير ترسانته القانونية في هذا المجال…
و بطبيعة الحال..فإن سنة 2024 عرفت حركات احتجاجية فئوية( الصحة و التعليم و المحاماة…) وهي دليل آخر على حيوية و صحة الحياة السياسية و النقابية و الحقوقية بالمغرب و التي بالمناسبة تُوِجت بإصدار العفو على مجموعة من الإعلاميين و نشطاء حقوقيين…
وهو ما يعد مدخلا كبيرا للحديث عن العنصر الثاني الذي ميز سنة 2024 أي مغرب الحُلم أو ” الحلم المغربي ” في التنمية و العدالة المجالية و غيرها مما تضمنته العديد من الخطابات و الرسائل الملكية…و الأوراش الكبرى كالجهوية المتقدمة ( المناظرة الثانية بطنجة يومي 20 و 21 دجنبر ) و مشروع مدونة الأسرة….
و مناسبة الحديث عن الحلم المغربي الآخر أي تنظيم كأس العالم سنة 2030 بعد محاولات بتاريخ يمتد الى سنة 2006…
فحلم تنظيم كأس العالم ليس مرتبطا فقط بشغف الجمهور المغربي بكرة القدم..أو الإنجاز التاريخي لأسود الاطلس في مونديال قطر 2022 …بل هو الرغبة الجماعية في قفزة نوعية على مستويات التنمية و الاقتصاد و البنية التحتية و الارتقاء الاجتماعي من خلال تنظيم أكبر تظاهرة كروية في العالم…
لقد زف جلالة الملك محمد السادس في 4 أكتوبر 2023 خبر تنظيم كأس العالم بمشاركة كل من اسبانيا و البرتغال سنة 2030…و تشكيل لجنة تنظيم كأس العالم 2030 التي تم تعزيزها بخلق لجنة تركيبية تضم كفاءات المجتمع المدني و مغاربة العالم و كفاءات افريقية من اجل تسريع تنزيل كل الاوراش الاستراتيجية و المهيكلة المتعلقة بتحقيق حلم تنظيم المونديال المغربي..الذي تم الإعلان الرسمي عنه في دجنبر 2024…
فحلم تنظيم كأس العالم بالمغرب ..ليس مناسبة عادية اولا، لأنها بداية المئوية الثانية لتنظيم كأس العالم حيث سيمثل الدول العربية و إفريقيا..وهنا لابد من الإشارة للحكمة الملكية القوية من ادراج كفاءات افريقية في اللجنة التركيبية..فهو يؤكد هنا ان المونديال هو مغربي/افريقي..
ثانيا ، لأنها دورة مليئة بالرسائل و الأحداث التاريخية المشتركة بين المغرب و البرتغال و إسبانيا وثالثا، لأنها واعدة بشركات اقتصادية و فرص جذب سياحية للدول الثلاثة…
من جهة أخرى، فإن تنظيم كأس العالم بالمغرب يعني انه طيلة ترتيبات مونديال 2030 و الحديث عنه إعلاميا و شراكاته و وصلاته الاشهارية سواء بالمنابر العالمية أو شبكات التلفزيون و الشبكات الاجتماعية و إلى غاية الانطلاقة الرسمية لكأس العالم ،سيطل المغرب بكامل صحراءه على العالم….فمرحبا سنة 2025 بمساحات حِلم أكبر و مساحات أحلام أقوى و أكثر….