
بقلم: الدكتور عادل بن حمزة

فشلت بريتوريا في جر قمة العشرين، التي احتضنتها جوهانسبورغ يومي 22 و 23 تشرين الثاني/نونبر الجاري؛ إلى اتخاذ موقف بخصوص ملف الصحراء المغربية، خاصة بعد التحول التاريخي الذي عرفه مجلس الأمن الدولي نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي من خلال قراره رقم 2797 الذي اعتمد الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية كأساس للتفاوض بين الأطراف وكصيغة لتقرير المصير ، وهو ما عكس تحولا عميقا في تعاطي المنتظم الدولي مع هذا النزاع المفتعل، خاصة لجهة القطيعة مع اللغة الرمادية التي كانت تركز على إدارة النزاع بدل حله، هذا التوجه الدولي الجديد اتضح من خلال نتائج قمة العشرين خاصة في الإعلان المشترك الذي صدر السبت الماضي و الذي دعا إلى تحقيق “سلام عادل وشامل ودائم” في أوكرانيا والسودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بالإضافة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك استرشادا بمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، حيث أغفل تماما أي إشارة لقضية الصحراء المغربية وذلك في قلب جنوب إفريقيا التي اختارت منذ سنوات أن تكون عراب الانفصال في الجنوب المغربي.
المفارقة أنه في السنوات الأخيرة، تصاعدت دعوات الانفصال في مقاطعة كيب الغربية بجنوب إفريقيا، مدفوعة بمزيج من العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية، تعززت مؤخرا بحالة القطيعة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كان من نتائجها مقاطعة الرئيس ترامب قمة العشرين بجوهانسبرغ.
يبلغ عدد سكان مقاطعة كيب الغربية زهاء 7 ملايين نسمة يستقر ثلثاهم في كيب تاون العاصمة التشريعية للبلاد، وتعتبر المقاطعة واحدة من أغنى مقاطعات جنوب إفريقيا، حيث تسهم بأكثر من 15% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني، كما أن معدل البطالة فيها أقل بكثير مقارنة ببقية البلاد التي يتجاوز فيها المعدل 18%. ذلك أن المقاطعة تمتلك اقتصادًا متنوعًا، يعتمد على السياحة، والزراعة، والصناعة، إلى جانب كونها مركزا ماليا مهما. كما أن مدينة كيب تاون، عاصمة المقاطعة، تعدّ ميناءً استراتيجيًا على واحد من أهم الطرق التجارية في العالم.
هذا التميز الاقتصادي دفع بعض الحركات السياسية، وعلى رأسها “كيب إندبندنت”، إلى الترويج لفكرة الاستقلال، بحجة أن كيب الغربية يمكن أن تزدهر بعيدًا عن سلطة الحكومة المركزية في بريتوريا. كما يستند أنصار الانفصال إلى الاختلافات الثقافية واللغوية، فجزء كبير من السكان يتحدثون الأفريكانسية والإنجليزية، على عكس المناطق الأخرى التي تهيمن عليها لغات مثل الزولو والسوتو.
بالطبع بريتوريا ترفض أي نزعة انفصالية في المقابل، لا تزال تتبنى مواقف داعمة لانفصال إقليم الصحراء عن المملكة المغربية، في تناقض صارخ بين مواقفها الداخلية والخارجية. فهل تدرك جوهانسبورغ المخاطر التي قد يجرّها عليها هذا المنطق الانفصالي؟
على النقيض من سلوك جنوب إفريقيا المعادي، كان المغرب سندا قويا لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي في معركته ضد نظام الميز العنصري، وبشهادة الزعيم الراحل نيلسون مانديلا نفسه، حيث اعترف أمام العالم بالدعم الكبير والنوعي الذي قدمه المغرب بقيادة الملك الراحل الحسن الثاني للمؤتمر الوطني الإفريقي، مالا وسلاحا وتدريبا وذلك بحضور الراحل الدكتور الخطيب الذي كان مكلفا بالتواصل مع مانديلا، فأمام أزيد من مائة ألف جنوب إفريقي وضيوف من مختلف أنحاء العالم وقف الزعيم مانديلا وهو على منبر الخطابة طالبا من الدكتور الخطيب دون باقي الضيوف، أن يتقدم نحوه ليقدم في ملك المغرب الراحل الحسن الثاني شهادة للتاريخ تبرز حجم الدعم الذي قدمه المغرب لشعب جنوب إفريقيا، وتحدث للجموع الغفيرة عن تفاصيل رحلته إلى المغرب سنة 1962 وما قدمه من مطالب وكيف تمت الاستجابة لها كلها، لذلك فإن تحول موقف جنوب إفريقيا من قضية الصحراء المغربية وإعلانها العداء للوحدة الترابية للمملكة، يمثل إساءة لما قدمته الدولة المغربية من دعم غير مشروط لقضية عادلة.
ربما ترى جوهنسبورغ في المغرب منافسا قاريا، وهو كذلك بلا شك، لكن الأمر بكل تأكيد يتجاوز منطق المنافسة، وربما تُفضح الأسباب الحقيقية عندما ينهار حكم المؤتمر الوطني الإفريقي تحت وطأة الفساد الذي ينخر نخبه التي توالت على السلطة منذ انهيار نظام الفصل العنصري ورحيل مانديلا، رصيدها فقط إرث الزعيم الذي انتهى به الأمر لمن يدفع أكثر…
ملامح ذلك الانهيار بدأت تظهر مع نتائج آخر انتخابات في جنوب إفريقيا، والتي جرت في 29 أيار/ مايو 2024، محدثتا تحولا تاريخيا، إذ خسر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أغلبيته البرلمانية المطلقة لأول مرة منذ 1994. هذه الخسارة تعكس تراجع ثقة الناخبين في الحزب الذي قاد البلاد لثلاثة عقود، بسبب فشله في معالجة قضايا البطالة والجريمة والفساد، في ظل استمرار الفوارق الاقتصادية وهيمنة الأقلية البيضاء على مفاصل الاقتصاد.
