اعتبر عادل بنحمزة، الناطق الرسمي السابق باسم حزب الاستقلال، أن سبب عدد من الخلافات داخل الحركة الوطنية وداخل حزب الاستقلال خلال الاستعمار والسنوات الأولى للاستقلال مرده إلى “عدم قبول جزء من النخبة الوطنية حينها باللجوء إلى الديمقراطية في ما يتعلق بالاختيارات”، وذلك في سياق استحضار الخلاف في صفوف الحركة الوطنية الذي أدى إلى نشوء حزب الشورى والاستقلال، وكذا انشقاق حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في ما بعد.
وأكد بنحمزة، خلال مروره ببودكاست “أوراق زمان” على منصات جريدة “مدار21″، أنه عند العودة إلى الخلاف داخل الحركة الوطنية بين علال الفاسي ومحمد الحسن الوزاني “نجد أن سببه عدم القبول بنتائج انتخاب قيادة كتلة العمل الوطني، وعند العودة إلى انشقاق حزب الاستقلال وميلاد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية نستحضر التصويت الذي حدث داخل اللجنة السياسية والذي أعطى أقلية لم تقبل نتائج التصويت”.
وعاد بنحمزة إلى الخلاف الذي كان داخل الحركة الوطنية بين الزعيمين علال الفاسي ومحمد الحسن الوزاني بمناسبة انتخاب قيادة كتلة العمل الوطني الذي أفرز انتخاب الأول، غير أن الوزاني، الذي هو رجل وطني بدون شك، لم يقبل النتيجة لأنه كان يرى أنه متعلم تعليما عصريا وأنه أعرف بالفرنسيين وأن علال الفاسي رجل تقليدي وخريج القرويين وبالتالي الأولى أن يقود بن الحسن الوزاني الكتلة”.
وأورد المتحدث أن “الخلاف كان شخصيا بين الزعيمين في البداية، غير أنه في ما بعد امتد هذا الخلاف ليهم النقاش حول أسبقية الديمقراطية أم الاستقلال، مما أفضى إلى تأسيس حزب الشورى والاستقلال، بمعنى أن الديمقراطية أولا في حين أن حزب الاستقلال كان يرى الأولوية أن يتم نيل الاستقلال لأنه لم يكن ممكنا بناء الديمقراطية في ظل الاستعمار”.
وحول جذور الخلاف الذي أفضى إلى بروز حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي لاحقا) من رحم حزب الاستقلال، أردف بنحمزة أنه بدأ مع النقاش الذي كان وسط اللجنة السياسية للحزب حول الوزارات التي يعينها الراحل محمد الخامس، إذ تمسك البعض باحتفاظ الحزب بوزارة الداخلية، قبل التوافق في الأخير على تعيين الملك عضوا من الحزب بهذه الوزارة إضافة إلى اختياره وزراء البريد والصحة.
وأفاد بنحمزة أن “جزءا من الأزمة التي أدت إلى الانقسام انطلقت بأزمة حكومية وانتهت إلى أزمة حزبية”، مضيفا أنه “كان هناك أخذ ورد خلال تلك الفترة لكن الأغلبية داخل اللجنة التنفيذية واللجنة السياسية باستثناء المحجوب بن الصديق وعبد الله إبراهيم ومهدي بن بركة قبلت بتعيين الملك محمد الخامس للوزراء المذكورين”، بأغلبية 14 عضوا من اللجنة السياسية مقابل ثلاثة أعضاء.
وتابع بأن “الأزمة انطلقت من هذه المرحلة بعد مقاطعة الأعضاء الثلاثة لاجتماعات اللجنة السياسية وبدأت المسافة تتسع”، مضيفا أنه “منذ الأسبوع الأول لترؤس أحمد بلافريج الحكومة حينها اندلع إضراب عام في الرباط وسلا يقوده الاتحاد المغربي للشغل الذي يرأسه المحجوب بن الصديق وهو عضو اللجنة السياسية بالحزب الذي يقود الحكومة حينها”.
وأبرز بنحمزة أنه “كان المفروض أن يبقى النقاش داخل الحزب وأن الحكومة التي يقودها الأمين العام للحزب يجب أن تؤيدها جميع هياكل الحزب وهذا ما لم يحصل وهنا بدأ الخلاف”، مشيرا إلى وجود مبادرات بعدها وعودة الأعضاء إلى الاجتماعات والاتفاق على عقد المؤتمر في 11 يناير 1959 وتشكيل لجنة رباعية تضم الطرفين للتحضير للمؤتمر.
وأورد أنه “من الخلافات التي كانت حينها، والتي للصدفة يعيشها حزب الاستقلال اليوم أيضا، هي حضور الأعضاء بالصفة في المؤتمر أم الفروع، والنقاش حول العضوية، حيت تم إيقاف الانخراط بالحزب والاتفاق على أن يكون ممثل واحد عن كل 20 ألف عضو، وكان الرهان أن يحسم المؤتمر الخلافات.
وأفاد الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال أنه “قبل الوصول للمؤتمر حدث انشقاق وسط اللجنة الرباعية بسبب ما قال عنه الجناح المنشق بأنه عدم تعاون الطرف الثاني، الأمر الذي تم الرد عليه بسرد مختلف الوقائع، وفي يوم 11 يناير 1959 كان اجتماع الجامعات المستقلة لحزب الاستقلال الذي كان بمثابة مؤتمر تأسيسي لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”.
ويرى بنحمزة أن الخلافات كان بعضها ذو طابع شخصي إضافة إلى أن البعض كان لديه سوء تقدير فيما يتعلق بالرؤية للدولة ولمؤسساتها في السياق الوطني حينها، واختلاف الرؤية هذا امتد إلى الدستور وموقع المؤسسة الملكية وغيرها من النقاشات.
وذهب بنحمزة إلى أن انشقاق حزب الاستقلال لم يكن حتمية بناء على اختلافات إيديولوجية داخل حزب الاستقلال الذي كان أقرب إلى جبهة موسعة تضم مختلف الحساسيات السياسبية بدليل أن أعضاء من حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كانوا شخصيات سلفية، كما أنه حزب الاستقلال بعد وثيقة التعادلية هناك من اعتبر أنه حزب شيوعي، لافتا إلى أن محطات لاحقة أبرزت وجود الرؤية نفسها بين الحزبين.
ونفى عادل بنحمزة أن تكون لدى حزب الاستقلال؛ إبان تلك الحقبة، نزعة هيمنة بسبب خلافاته مع حزب الشورى والاستقلال ثم حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وكذا القصر، لأن الخلاف مع الأول انطلق إبان الحركة الوطنية قبل تأسيس الحزب إبان الاستعمار، بينما كان الخلاف الثاني بين أعضاء الحزب، أما الثالث فإن حزب الاستقلال هو الذي تشبث بعودة الملك من المنفى خلال مشاورات إكس ليبان.
وذهب بنحمزة إلى أن ما حدث بعد الاستقلال من مشاكل يعد أمرا طبيعيا لأن عددا من البلدان التي عاشت أوضاعا مماثلة أدت ضريبة أكثر، مفيدا بأن المغرب استطاع أن يجتاز تلك المرحلة بأخف الأضرار وأن كل الأطراف أطرتها نزعة وطنية واستطاعت أن تمر من عنق الزجاجة بأقل التكاليف والخسائر، الأمر الذي انعكس في ما بعد ببقاء المغرب موحدا ومحتفظا بمقومات أن يكون بلدا قويا وأن الصراع بمنطق “لعبة صفرية” لم يكن ليوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.