بقلم : ذ. أمين بوشعيب – إيطاليا
يقال إن الخرف السياسي لا علاقة له بالخبرة السياسية، ولا بالسن، ولا بالمرض. قد تخرف المبادئ في عز الصبا وفي أرذل العمر فلا يزن المرء كبائر القول ولا صغائره، فلا يبالي باقترافهما.
هذا القول ينطبق تمام الانطباق على عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي، الذي يبدو أنه قد أصيب بالخرف السياسي. فمن خلال متابعتي لخرجاته الإعلامية، أجده لا يكفّ لسانه عن التهجم، على غرمائه السياسيين والإيديولوجيين، وغيرهم، بل إن هجومه طال نعم الله من الخضر.
في الأسبوع الماضي، وخلال حضوره للملتقى الجهوي للهيئات المجالية والمنتخبين الذي نظمه حزبه بمدينة بني ملال المغربية، اختلط عليه الأمر، فبعد أن وجّه مدفعيته نحو هاجم بشدة أبرز خصومه في حكومة أخنوش، وخصومه اليساريين والمخرج السينمائي نبيل عيوش، وهاجم غريمه السياسي السابق إلياس العماري، توجّه إلى نعم الله يلعنها ويشتمها قائلا بالدارجة المغربية: “البصلة ومطيشة إيلا غلات نشريو بالقياس ولا نديرو بناقص ولا ناكلو الخبز وأتاي. الله يلعن جد بومطيشة والبصل وحتى القزبور لا مشات الهوية”.
ومن أعراض الخرف التي بدت على بنكيران، في هذا اللقاء هي فقدانه للذاكرة، ففي تعليقه على مُحاكمة قضاة ورؤساء جماعات بتهمة الرشوة، قال “إنّ هذه المبادرة إيجابية سيّما أنّ من بين رؤساء الجماعات المتابعين كانوا معروفين بالولاء للسلطة”. وقال “نتمنى ألا تتم هذه المحاكمات بطريقة انتقائية، لأنا مازلنا ننتظر أن تطال يد القضاء أشخاصا معروفين بحيازة مُمتلكات بلا حدود منشورة في الصحف بالإضافة إلى تسييرهم لجماعات ترابية بطريقة غير صحيحة”.
ألا يذكر أنه هو من أبدع الشعار الخالد”عفا الله عما سلف” وهو مفهوم ديني، وظفه في غير محله، لكي يقنن الفساد، ويجعله محميا تحت مظلة هذه الشعار، الذي أصبح مرجعا للحكومات التي جاءت من بعده. أليس هو القائل لما تولى رئاسة الحكومة المغربية: بأنه لم يأت ليحمل “مصباحا ويبحث عن المفسدين في أركان الدولة.. لأن ذلك سيكون جريمة في حق الوطن”.. ثم أكدها مرة ثانية :” نعم سيكون جريمة في حق الوطن”
ألا يعلم أن هؤلاء الذين يحاكمون اليوم قد عاثوا فسادا، في الفترة التي كان فيها رئيسا للحكومة، ومحمد مبدع الذي يقبع الآن في السجن على خلفية اتهامه بالفساد وتبديد أموال عمومية، ألم يكن وزيرا سابقا في حكومته الموقرة؟
أين مئات الشكايات التي تقدم بها بعض مغاربة العالم ممن سلبت ممتلكاتهم وأموالهم عبر تزوير وثائق الملكية، أو وثائق الهوية، أو الوكالات؟ وقد كنت كتبت بالمناسبة مقالا في هذا المنبر أناشدكم من خلاله، وأناشد وزيركم آنذاك في العدل السيد بالتدخل للحد من ظاهرة الاستيلاء -عن طريق التزوير- على عقارات وممتلكات بعض أفراد الجالية المغربية بالخارج، الذين تقدموا بعد شكايات إلى وزارة العدل، ومنهم كاتب هذا المقال، وبعض من أفراد عائلته. وتساءلنا آنذاك، في ذات المقال، عن الإجراءات والتدابير العملية التي ستتخذونها لحماية ممتلكات المهاجرين المغاربة من أي تلاعب أو سطو. وقد حدث ذلك في وقت تواترت فيه قضايا الاستيلاء على ممتلكات الجالية المغربية، خلال الفترة التي كان بنكيران رئيسا للحكومة، لا سيما الذين لا يحضرون بشكل مستمر إلى بلدهم الأم، إذ يتم الاستيلاء على عقارات وأراض وغيرها من الممتلكات عبر تزوير وثائقها، خصوصاً من طرف “مافيات” العقار.
لكن يبدو أنكم آثرتم السلامة ورضختم للفساد عليه، وأوضحتم بالمباشر الصريح أن معالجة ملف الفساد ستتم بلطف، وأن المطلوب اليوم كما قلتم بلسانكم “ليس إعمال مبدأ الانتقام، بل مخاطبة هؤلاء بقول: كفى”، علهم ينتهون ويتعظون “
واليوم يأتي بنكيران ليطالب بالبحث عن المفسدين من أجل تقديمهم للعدالة ومحاكمتهم، فما دمت تعرف هؤلاء الأشخاص بأسمائهم وصفاتهم -كما قلتَ- فلماذا لا تبلّغ عنهم السلطات كي تقبض عليهم؟
ومن الأعراض الأخرى التي بدت على بنكيران خلال هذا التجمع الحزبي، إمعانه في جلد المغاربة، وتفاخره بارتكاب جريمته البشعة في حق الشعب المغربي، من خلال دفاعه عن قرار تحرير أسعار المحروقات، لصالح الشركات التي مبديا تشبثه به، على اعتبار أنه ساهم في الحفاظ على التوازنات المالية للدولة من خلال خفض النفقات المخصصة لصندوق المقاصة.
بنكيران قال مخاطبا أعضاء حزبه في الملتقى الجهوي للهيئات المجالية والمنتخبين بجهة بني ملال-خنيفرة: “أنا اللي زدت عليكم فليصانص والمازوط باش بلادكم تبقا تّْبنضض حيت عندنا الفلوس. لا عجبوكم هادشي مرحبا، ويلا معجبكومش سيرو شريو مطيشة وضربوني بيها”.
فهل مثل هذا الكلام يصدر عن العقلاء؟ أسكتوه رجاء!
فلاش: قلتها وأعيدها مرات عديدة، إن الذين انتخبوا عبد الإله بنكيران ليكون أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، والذين أعادوا انتخابه، بعد إعفائه ليُعيدوه، إلى القيادة ظنا منهم أنه سيعيد للحزب مجده، بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب في انتخابات 8 شتنبر 2021، على اعتبار أنه هو مهندس انتصارات الحزب الانتخابية في ولايتين متتاليتين. ليتحمّلون المسؤولية أمام الله وأمام التاريخ، بل هم شركاء له في كل ما سبق، وشركاء له فيما سيلحق من كوارث على يديه لا سمح الله.