بقلم: الدكتور عادل بن حمزة

لا يخفى أن العلاقات المغربية – الفرنسية مرت منذ سنوات بمنعطف حاد حيث تحاول باريس الرسمية منذ زيارة الدولة التي قام بها الرئيس ماكرون إلى المغرب قبل أقل من سنة، إعادة التوازن مع الرباط بعد أزمات متتالية. على النقيض من ذلك تواصل بعض المنابر الإعلامية الفرنسية، وفي مقدمتها لوموند استدعاء نفس الأسلوب القديم في التعاطي مع المغرب ومؤسساته آخر الأمثلة مقالة مطولة نشرتها الصحيفة حاولت فيها تقديم حصيلة قاتمة لحكم الملك محمد السادس، إلى حد الزعم بأن العاهل المغربي لا يرغب في ممارسة الحكم، وهو ادعاء يناقض تماما واقع الأوراش الإصلاحية والتنموية التي ا ة والتنموية التي انطلقت منذ 1999، من تحديث البنية التحتية إلى إصلاحات اجتماعية كبرى، حيث كان
الملك في صدارة المشهد من التخطيط إلى التنفيذ كما كان على رأس متابعة عمل كل اللجان التي اشتغلت على قضايا استعجالية.
هذا الميل المتكرر لدى بعض الأفلام الفرنسية ليس وليد اللحظة، بل يعكس عقدة تاريخية متجذرة. فمنذ استقلال المغرب سنة 1956، ظلت بعض النخب الباريسية تنظر إليه من موقع الوصاية، وكأن زمن الإقامة العامة، لم ينته بعد. وحتى بعد التحولات العميقة التي شهدتها البلاد ما زال جزء من النخبة والإعلام الفرنسي أسير كليشيهات استعمارية تستبطن فكرة التبعية.
ولفهم هذا السلوك لا بد من التذكير بفضائح داخلية هزت الصحافة الفرنسية نفسها، وعلى رأسها لوموند ففي مطلع الألفية (2002-2003) تفجرت أزمة كبرى داخل الجريدة بسبب ما كشفه كتاب الوجه الخفي لوموند من سلطة مضادة إلى إساءة استعمال السلطة La face cachee du للصحافيين بيير ).monde du contre pouvoir aux abus de pouvoir بيان وفيليب كوهين الكتاب فضح هيمنة الترويكا المكونة من جان ماري کولومباني إديوي بلينيل، والان مينك، الذين حولوا الصحيفة إلى دولة داخل الدولة.. متورطين في علاقات مشبوهة مع سياسيين وشركات بل ومتلاعبين بالحسابات المالية. هذه الفضيحة التي أضعفت سمعة لوموند وأفقدتها جزءا من مصداقيتها، كشفت أن الجريدة التي نصبت نفسها ضمیر فرنسا ليست محصنة ضد الانحرافات المرتبطة بالسلطة والمال..
فكيف يمكن لمؤسسة إعلامية مثقلة بمثل هذا الإرث أن تمنع نفسها الحق في تنصيب ذاتها حكما على شرعية الملكية المغربية أليس من الأجدر بها أن تراجع أخطاءها الداخلية قبل أن توزع دروسا على الآخرين؟
فضائح الصحافة الفرنسية في تعاملها مع المغرب لم تتوقف عند حدود الانحياز التحريري فالجميع يتذكر قضية الابتزاز الشهيرة التي تورط فيها الصحافيان الفرنسيان إريك لوران وكاترين غراسييه عام 2015، حين ضبطا متلبسين بمحاولة الحصول على أموال طائلة من القصر الملكي مقابل عدم نشر كتاب مسيء للمغرب. تلك الحادثة لم تكشف فقط حدود الانحراف الأخلاقي لبعض الأفلام، بل عزت أيضا الخلفية الحقيقية وراء الحملات الإعلامية المتكررة ضد المؤسسة الملكية البحث عن الربح والضغط السياسي أكثر مما هو حرص -على حرية التعبير».
إن الإصرار على الإساءة إلى الملكية المغربية يكشف عن مفارقة عميقة فبينما تتحرك الدبلوماسية الفرنسية نحو الاعتراف الواقعي . عي بدور المغرب وموقعه، خصوصا في ملف الصحراء حيث صار الموقف الفرنسي أكثر وضوحا في دعم المبادرة المغربية تظل بعض النخب الصحافية والثقافية عالقة في ماضيها الاستعماري. هذه النخب ترفض أن ترى المغرب كما هو دولة مستقلة ذات سيادة تقودها ملكية متجذرة منذ أكثر من اثني عشر قرنا، تشكل ركنا أساسيا في استقرار البلاد وهويتها الوطنية.
الحقيقة أن المؤسسة الملكية لم تكن في تاريخ المغرب الحديث مجرد واجهة رمزية بل بل كانت الضامن الأول لاستمرارية الدولة في لحظات الأزمات من مقاومة الاستعمار إلى تدبير التحولات ما بعد الاستقلال، وهي اليوم المحرك الأساسي المشاريع الإصلاح والتنمية. غير أن بعض الأقلام الفرنسية، بدلا من الاعتراف بهذا الواقع، تفضل إعادة إنتاج خطاب استشراقي يقدم المغرب كبلد متأخر يحتاج لوصاية باريسية.
إن هذه المقاربة لم تعد مقبولة لا شعبيا ولا رسميا. فالمغرب اليوم يفرض -نفسه كفاعل إقليمي وازن في إفريقيا والمتوسط، وكشريك أساسي وكشريك أساسي لأوروبا في ملفات الأمن والهجرة والطاقة. تجاهل هذه الحقائق لن يغير شيئاً من الواقع. لكنه سيضع بعض الصحف الفرنسية في ذيل الأحداث.
المطلوب اليوم ليس تكرار خطاب الوصاية بل بناء علاقة ناضجة تقوم على الاحترام المتبادل. أما الإصرار على استدعاء ممارسات الابتزاز أو إعادة إنتاج فضائح تحريرية كفضيحة لوموند فلن يؤدي إلا إلى مزيد من التباعد وفقدان الثقة المغرب لم يعد تلك المحمية الرمزية التي يمكن مخاطبتها بتعال بل دولة ذات سيادة ينبغي التعامل معها كشريك متساو.
الملكية المغربية، بما تمثله من عمق تاريخي ووحدة وطنية ليست مادة للاستهلاك الخطابي في مقالات انفعالية بل مؤسسة محورية في استقرار البلاد. ومن يصر على إنكار هذه الحقيقة، إنما يسيء إلى نفسه قبل أن يسئ إلى المغرب