الدكتور عبد الله بوصوف
كان وصف الملك الحكيم الحسن الثاني رحمه الله ، للمغرب بأنه شجرة جذورها في إفريقيا و اغصانها في أوروبا…وصفا جامعا مانعا عن علاقة المغرب بعمقه الإفريقي على عدة مستويات تاريخية و روحية و اقتصادية و ثقافية….و دوره الكبير في حملات التحرير من الاستعمار و أحد المؤسسين الآباء لكل المنظمات الإفريقية..
كل هذا جعل من دسترة تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية، ولاسيما مع بلدان الساحل وجنوب الصحراء…مسألة سلسة في تصدير دستور 2011 في عهد جلالـة الملك محمد السادس…
فالمغرب لم يكن بعيدا عن افريقيا و شعوبها رغم خروجه الاحتجاجي من المنظمة الافريقية بعد ضم كيان هجين للجسد الافريقي…إذ ظل طوال فترة الغياب قريبا من آمال و آلام الشعوب الإفريقية من خلال رحلات و جولات جلالة الملك محمد السادس لعدد كبير من دول افريقيا و التي تُوِجتْ بتوقيع مئات الاتفاقيات في مجالات استراتيجية بين المغرب و دول افريقية. ..و قد تعزز هذا التقارب بعد عودة المغرب للبيت الافريقي حاملا معه برامج جديدة و آمالا جديدة خاصة بوجود قادة أفارقة جدد..و حمل شعارات جنوب /جنوب و رابح /رابح…
فما بعد كورونا و الحروب في الشرق الأوسط و اوركرانيا و دول الساحل جنوب الصحراء….و غيرها من الأحداث المؤثرة في خريطة العلاقات الدولية جعلت المغرب و كعادته يتقدم بمبادرة جديدة خاصة بتكثل دول غرب افريقيا المطلة على المحيط الأطلسي في خطاب المسيرة لسنة 2023…
لهذا فقد تميزت سنة 2024 بالعديد من الأنشطة و الاجتماعات و الندوات و المؤتمرات الرسمية من أجل المضي قدما لتحقيق المبادرة الأطلسية و ما تحمله من آمال التنمية لشعوبها…هذا بالاضافة الى المشروع الطاقي الكبير اي أنبوب نيجيريا المغرب…و غيرها من مشروعات استراتيجية من شأنها تغيير وجه دول غرب افريقيا و تحويلها الى ” افريقيا جديدة “…التي ساندت مقترح الحكم الذاتي و فتحت قنصلياتها بمدن الصحراء المغربية…و ترفض كيان البوليساريو الغير الشرعي على مستويات عالمية كالجامعة العربية و دول الاتحاد الأوروبي و أمريكا و روسيا و اليابان و الهند و إندونيسيا…لذلك تم طرد البوليساريو من كل تلك الاجتماعات خلال سنة 2024 و خير دليل هو حادث “المحفظة ” في قمة تيكاد باليابان….
ليس هذا فحسب فالمغرب بكل ثقله التاريخي و الحضاري و الروحي…أصبح فاعلا اقتصاديا و ماليا كبيرا للعديد من دول افريقيا بفضل توقيع شراكات استراتيجية في مجالات البنوك و الاتصالات و الطيران و الفلاحة و الماء و الطاقة و تكوين العلماء و المرشدين الدينيين …هنا نذكر بإفتتاح محطة محمد السادس لتوليد الكهرباء بدولة النيجر في12 دجنبر 2024…على سبيل المثال لا الحصر..
و قد يعتقد البعض أنه بامكان اي دولة لديها امكانيات مالية أن تلعب الدور المغربي في افريقيا…و قد دحض الواقع ضعف هذه الفرضية ، و أن الأمر يفوق الإمكانيات المالية الى عناصر الثقة و المصداقية و التراكم الحضاري و الروحي التاريخ المشترك…
وهي العناصر التي سمحت للمغرب للعب دور محوري في ملف الازمة الليبية مثلا منذ سنة 2015 ومحطة الصخيرات الى اجتماع دجنبر 2024 حيث احتضن المغرب اجتماع الفرقاء الليبيببن من مجلس النواب و المجلس الأعلى للدولة من أجل تدويب النقاط الخلافية….
كما سمحت للمغرب بلعب دور الوساطة في أكثر من منطقة خاصة بين موريتانيا و السنغال ، و كذا تحرير الرهائن الفرنسيين الأربعة في بوركينافاسو في دجنبر 2024 ما دفع الرئيس ماكرون الى تقديم الشكر لجلالة الملك محمد السادس على نجاح العملية بعد فشل وساطة افريقية أخرى…
كما أن سنة 2024 عرفت ” زيارة خاصة ” تاريخية للرئيس الموريتاني ” محمد ولد الشيخ الغزواني ” للمغرب في 18 دجنبر 2024 …وأهمية هذه الزيارة أنها الأولى منذ 2019 و أننا نشترك معها الحدود الجنوبية المغربية و التاريخ أيضا…مما يجعل من هذه الزيارة مناسبة للحديث عن المستقبل المشترك و تطوير آليات الإشتغال على أكثر من ملف استراتيجي…
و هي الزيارة التي ستثير بلا شك حفيظة الجارة الشرقية خاصة بعد اعتراف فرنسا في يوليوز 2024 بمغربية الصحراء و بالحكم الذاتي…و ما تعرفه الأقاليم الصحراوية المغربية من اوراش كبيرة في مقدمتها ميناء الاطلسي الداخلة و تعزيز الشبكة الطرقية و البنية التحتية…في أفق بناء ز ترسيخ شراكات استراتيجية قوية مع الجار الموريتاني سواء في المبادرة الأطلسية أو مشروع الطاقة نيجيريا /المغرب….
الجذور المغربية الافريقية التي تحدث عنها الحكيم المرحوم الحسن الثاني طيب الله ثــراه..تجد ضالتها في المشترك التاريخي و الديني من خلال بناء المساجد في العديد من الدول الافريقية و إحياء الزوايا كالتيجانية بالسينغال و الطرق الصوفية. ..و كذا إشراك العديد من العلماء الافارقة في الدروس الحسينة بمناسبة شهر رمضان الفضيل…
و هكذا تميزت سنة 2024 بانعقاد الدورة السادسة للمجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة بفاس في دجنبر 2024…بمشاركة حوالي 300 عضو بما فيهم 50 من العالمات من 48 دولة افريقية… بإذن من أمير المؤمنين الملك محمد السادس…
كما نظمت بعاصمة السينغال داكار ” الايام الثقافية الإسلامية ” للطريقة التيجانية في 28 دجنبر 2024 و التي نظمت تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس امير المؤمنين…وهي مناسبة أكد فيها السيد أحمد التوفيق وزير الاوقاف و الشؤون الإسلامية على أن الطريقة التجانية أسهمت في إغناء العلاقات الدينية و الروحية بين المملكة المغربية و باقي البلدان الافريقية و خاصة السنغال…
كان هذا بعض من الحصاد المغربي الإيجابي على مستوى عمقه الافريقي طيلة سنة 2024…و تأكيد على حقيقة وصف المغرب بالشجرة التي جذورها في إفريقيا و اغصانها في أوروبا….