دكتور عادل بنحمزة/ المغرب
في مقابلة مع كل من إذاعة فرنسا الدولية RFI وقناة FR24 صرّح وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه بأنّ المغرب قوة إقليمية يساهم في استقرار المنطقة، وأنّ باريس تدعم كل مبادرات الرباط.
كان سيجورنيه يجيب عن سؤال عن مدى إمكان المغرب لعب دور الوسيط مع دول الساحل. وعن تطور الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية، قال وزير الخارجية الفرنسي إنّ بلاده تعترف بالجهود التي قام ويقوم بها المغرب للنهوض الاقتصادي في المنطقة، وأنّها ستنخرط في هذه الجهود عبر المؤسسات العامة الفرنسية.
هذا التصريح يؤكّد ما أعلنه سيجورنيه قبل شهر في زيارته الأولى للرباط، كما أنّه يأتي على إثر المباحثات واللقاءات التي عقدها وزير التجارة الخارجية الفرنسي، فرانك ريستر في الرباط، مع وزير التجارة والصناعة المغربي رياض مزور، قبل أسبوع. وأكّدت مصادر دبلوماسية وصحافية أنّ الاستثمارات الفرنسية في الصحراء المغربية كانت في صلب المباحثات. وجاء تصريح سيجورنيه أيضاً قبل الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المغربي إلى باريس يوم الثلثاء الماضي.
الوتيرة المتزايدة للزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين في كل من المغرب وفرنسا، تدل إلى أنّ العلاقات الثنائية بين البلدين تجاوزت على وجه اليقين آخر المنعرجات الخطيرة التي كادت تجهز على العلاقات التقليدية بين البلدين. ويُعتبر جانب الشراكة الاقتصادية مدخلاً استراتيجياً لإعطاء نَفَس جديد للعلاقات الثنائية بينهما، وذلك في ضوء ما سبق وأن أكّد عليه العاهل المغربي قبل سنتين لمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، من كون ملف الصحراء المغربية هو “الصورة التي ينظر منها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.
وشكّل الخطاب مناسبة، دعا فيها العاهل المغربي، بعض الدول، خصوصاً شركاء المملكة التقليديين، إلى “توضيح موقفهم من قضية الصحراء المغربية بشكل لا يقبل التأويل”. كما ذكّر بموقفين على درجة كبيرة من الأهمية، الأول هو الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، والثاني، الموقف الإسباني التاريخي الداعم لمغربية الصحراء، وذلك عبر دعمهما الواضح لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع المفتعل.
الجميع فهم ساعتها أنّ باريس هي الجهة الأولى المعنية بالمضمون القوي والواضح لخطاب العاهل المغربي، لذلك كانت باريس مطالبة بالانتقال بموقفها حول مغربية الصحراء من دعم مخطط الحكم الذاتي والذي كان موقفاً متقدماً سنة 2007، إلى موقف وموقع أكثر جرأة يعترف بوضوح بالسيادة المغربية على صحرائه، باعتبار القرب التاريخي لفرنسا من ملف الوحدة الترابية للمملكة، بل ومسؤوليتها المباشرة عما فقده المغرب من ترابه الوطني بخاصة في الصحراء الشرقية.
تأخّر وضوح الموقف الفرنسي يجد خلفيته في اعتقاد جزء من النخب المحيطة بالرئيس إيمانويل ماكرون، عن خطأ، أنّ رمادية موقف باريس يمكن أن تسهم في بناء التوازن بين الرباط والجزائر، وأنّ التقدّم في اتجاه هذا الطرف يجب أن يكون بمقدار التقدّم نفسه نحو الطرف الآخر من دون مراعاة واقع التناقض الجذري بين الطرفين.
الجانب الفرنسي افتقد في لحظة معينة القراءة الصحيحة للتحولات الجيواستراتيجية التي عرفتها المنطقة، بخاصة موجة “الاستقلال الثاني” عن فرنسا في منطقة الساحل والصحراء وخروج القوات الفرنسية مطرودة من كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وسط حالة شعبية معادية لكل ما هو فرنسي، وهو ما شكّل تهديداً وجودياً للمصالح الفرنسية، ليس فقط في منطقة الساحل التي تُعتبر امتداداً طبيعياً لها لأسباب تاريخية، بل في غرب إفريقيا ككل.
هنا برز البعد الاستراتيجي للحضور المغربي في المنطقة الذي مثّل آخر نماذجه المعبّرة استدعاء العاهل المغربي بشكل استثنائي وخاص لمراسيم تنصيب الرئيس السنغالي المنتخب باسيرو ديوماي فاي، كقائد وحيد من خارج المنطقة إلى جانب كل من الرئيس الموريتاني بوصفه الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي ورئيس المفوضية الإفريقية موسى فقي محمد.
هذا الحضور المغربي اللافت في منطقة الساحل والصحراء وغرب إفريقيا، سيتعزز بالمبادرة المغربية لربط دول الساحل والصحراء بالمحيط الأطلسي عبر الميناء الأطلسي بالداخلة، كجواب تنموي عن عقود من عدم الاستقرار. وفي مقابل ذلك كانت الجزائر تسير على خطى باريس على مستوى القطيعة مع دول المنطقة بخاصة النيجر ومالي، وبالتالي افتقدت القدرة على استثمار “ريع الموقع” لتقديم خدمة لفرنسا تصلح لمقايضة الموقف الفرنسي من مغربية الصحراء، أو على الأقل إبطاء أي تحول استراتيجي على هذا المستوى.
وزير الخارجية الفرنسي أكّد أيضاً في مقابلة راديو فرنسا الدولي وقناة FR24 أنّ الاعتراف الاقتصادي بمغربية الصحراء أمر محسوم، وأنّ الاعتراف السياسي والدبلوماسي موضوع حصري بين قائدي البلدين. ويبدو أنّ زيارة وزير الخارجية المغربي إلى باريس ليلة عيد الفطر، جاءت في سياق الاعداد للإعلان عن تحول تاريخي في الموقف الفرنسي في ما يمكن أن نسمّيه “اليوم الكبير” الذي ستعلن فيه فرنسا بشكل واضح لا لبس فيه اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه، لذلك فإنّ إخراج موقف بهذه الأهمية ربما قد يحتاج بعض الوقت لأنّه سيطلق رصاصة الرحمة على مشروع الانفصال في الصحراء المغربية بعملية لا رجعة فيها.