بقلم : د. عادل بنحمزة
دخلت العلاقات الثنائية المغربية -الإماراتية منعطفاً جديداً بعد الزيارة التاريخية التي قام بها الملك محمد السادس لأبوظبي، وتُوجت بالتوقيع على جملة من الاتفاقيات، تشمل برامج عدة تتعلق بالبنية التحتية وبكثير من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية ذات الطابع الاستراتيجي. وتكشف الاتفاقيات عن وجه جديد للمغرب، وهو يسارع الزمن لتحقيق عدد من الأهداف التنموية في أفق الاستحقاقات الكبرى التي تنتظره، سواءً تلك المتعلقة بعدد من البرامج الوطنية أو ما يتطلّبه تنظيم فعاليات كأس العالم سنة 2030.
يحدث ذلك كله في سياق ظرفية دولية صعبة ومعقّدة من الناحية السياسية والاقتصادية، وبصفة خاصة لجهة التحولات الجيواستراتيجية والتهديدات الجدّية التي تهمّ السلم والأمن الدوليين.
الاتفاقيات الضخمة الموقّعة بين الرباط وأبوظبي هي نموذج ما يجب القيام به بين بلدان الجنوب، وهي اتفاقيات تقوم على منطق رابح رابح، لكنها أيضاً تتأسس على الثقة وعلى العلاقات الشخصية بين قائدي البلدين، المغرب يكسب عبرها الوصول إلى التمويل الضروري لجزء كبير من مشاريعه المستقبلية التي ستغيّر وجهه، من دون أن يكون مضطراً إلى سلوك مسلك التمويل التقليدي المعتمد على المؤسسات المالية الدولية، والتي عادةً ما تفرض شروطاً بخلفيات سياسية وايديولوجية، غالباً ما تتجّه نحو تعطيل السياسات العمومية ذات الطابع الاجتماعي، لذلك فإنّ النجاح في الحصول على تمويل إماراتي محايد، يسعى إلى الشراكة في الربح وتوسيع الأفق الاقتصادي والتجاري، من خلال الاستثمار في الفرص الواعدة التي تفتحها إفريقيا وبخاصة إفريقيا الأطلسية. والأمر يُعتبر نجاحاً كبيراً واستثنائياً للرباط. ذلك أنّ المغرب يسعى إلى بناء التوازن بين تقديم عرض اقتصادي واجتماعي مقبول يتعلق بالحاضر، من دون المساس بحقوق الأجيال المقبلة، من خلال الإستمرار في الاستثمار في البنية التحتية التي ستجيب عن حاجات المغرب في المستقبل، والأهم من ذلك، هو أنّها ستجعله جاهزاً للتموقع في المستقبل بكل ما يحيط به من تحدّيات ومخاطر، ولعلّ موضوع الطاقات المتجددة، وبخاصة الهيدروجين الأخضر أو منظومة السيارات الكهربائية وتطوير البنية الصحية والتعليمية، تشكّل لوحدها عنواناً للوعي بأهمية صيانة قدرة المغرب والأجيال المقبلة من المغاربة في الحضور على الساحة الدولية والتنافس القوي، في عصر اقتصاد المعرفة والاقتصاد ما بعد الطاقة الأحفورية.
دون المساس بحقوق الأجيال المقبلة، من خلال الإستمرار في الاستثمار في البنية التحتية التي ستجيب عن حاجات المغرب في المستقبل، والأهم من ذلك، هو أنّها ستجعله جاهزاً للتموقع في المستقبل بكل ما يحيط به من تحدّيات ومخاطر، ولعلّ موضوع الطاقات المتجددة، وبخاصة الهيدروجين الأخضر أو منظومة السيارات الكهربائية وتطوير البنية الصحية والتعليمية، تشكّل لوحدها عنواناً للوعي بأهمية صيانة قدرة المغرب والأجيال المقبلة من المغاربة في الحضور على الساحة الدولية والتنافس القوي، في عصر اقتصاد المعرفة والاقتصاد ما بعد الطاقة الأحفورية.
لذلك، فإنّ الاتفاقيات التاريخية التي وقّعها المغرب مع الإمارات لا علاقة لها تماماً مع ما كان سائداً في العقود السابقة، من تعامل مع أموال الخليج باعتبارها فقط أموال ريع نفطي وفوائض مالية، بل الواقع يؤكّد أنّ بلدان الخليج في مجملها، شهدت تحولات جوهرية في أداء مؤسساتها السياسية والمالية والاقتصادية، وأنّها عبرت ثورة صامتة أعادت فيها تمثلها للمستقبل، بخاصة في ظل قناعة ثابتة بقرب نهاية عصر الطاقة الأحفورية. والمتابع لاستثمارات الصناديق السيادية الخليجية حول العالم، سيلاحظ تنوعها وتوزعها على مجالات مختلفة، بما في ذلك الطاقات المتجددة، حيث نجحت الإمارات والسعودية خصوصاً، في وضع أسس بنية تحتية تجعلها في طليعة منتجي الطاقة الخضراء ومصدّريها في العالم مستقبلاً، تُضاف إلى ذلك، نجاحات دبي في مجالات السياحة والترفيه والمال، ودخول السعودية مجالات الصناعات العسكرية. كل ذلك يؤكّد أنّ الاستثمارات الخليجية بصفة عامة والإماراتية بصفة خاصة، هي استثمارات مدروسة بشكل كبير، وتتكئ على خبرة وتجربة واسعة، يظهر ذلك بوضوح في المجالات التي شملتها الاتفاقيات، من الموانئ إلى أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب مروراً بقطار TGV الرابط بين الدار البيضاء ومراكش وصناعة السياحة والترفيه ومؤسسات الخدمات الصحية والتعليم العالي وغيرها من المجالات التي حقّقت فيها أبوظبي نجاحات يشهد لها الجميع.
وعلاقاته الثنائية سوى مشروع مؤامرة مستمرة تستهدف الجزائر. هذا ما يفسّر ردود الفعل الجزائرية التي عكستها جوقة الإعلام/الدعاية التي تتحلّق حول النظام، إذ اعتبرت الاتفاقيات بين المغرب والإمارات إنما وُجدت فقط لاستهداف الجزائر، بل انّ الجوقة نفسها تحدثت عن عقوبات جزائرية تستهدف الإمارات، من خلال توقيف مشاريع مشتركة كانت أبو ظبي تعتزم تنفيذها في الجزائر. يذكّرنا ذلك بموقف تعطيل الاتفاقية التجارية مع إسبانيا واستدعاء السفير الجزائري من مدريد، عقب قرار رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز اعتبار مبادرة الحكم الذاتي في ظلّ السيادة المغربية هي الحل الوحيد الممكن للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وهو ما مثّل ساعتها تغيّراً جذرياً في الموقف التقليدي للمستعمر السابق للصحراء، بل منطلقاً لبداية شراكة استراتيجية جديدة بين الرباط ومدريد، وقد انتقد الرئيس الجزائري علناً موقف رئيس الحكومة الإسبانية، بل أكثر من ذلك، اعتبره موقفاً شخصياً سيتمّ تجاوزه بعد الانتخابات البرلمانية التي كانت ستُنظّم لاحقاً، بما يعنيه ذلك من تدخّل سافر في الشؤون الداخلية لإسبانيا. النتيجة يعلمها الجميع، فقد تمّت إعادة إنتخاب سانشيز رئيساً للحكومة الإسبانية، وأعادت الجزائر سفيرها إلى مدريد بل والعلاقات التجارية أيضاً، من دون القدرة على ممارسة النقد الذاتي أو مراجعة رؤية العلاقات الخارجية لدول الجوار، وأنّها بوصفها كذلك، فهي علاقات تتسمّ بالطابع السيادي، وأنّ الآخرين ليسوا بالضرورة أعداء لجزائر عاجزة ومتخلّفة وما زالت رهينة لثقافة الحرب الباردة وعقيدة نظام العقيد بومدين…
أظهر النظام الجزائري أنّه يغرّد دائماً خارج السرب وبشكل مرضي مزمن. فبعد احتضان “إعلامه” المعارك الوهمية التي تخوضها جبهة البوليساريو منذ حسم الجيش الملكي تأمين معبر الكركرات، يذكّرنا ذلك بما كانت تنشره بداية هذه الألفية، من أنّ منطقة الواد الناشف قرب مدينة وجدة شرق المغرب تتعرّض لقصف الجيش المغربي، وهو ما وثّقه الراحل الكبير أستاذ الأجيال محمد العربي المساري الوزير والسفير المغربي الأسبق، في كتاب شيّق اختار له عنوان “قصف الواد الناشف.. المغرب الافتراضي في المخيلة الجزائرية”، وهو الكتاب الذي كان لي شرف تقديم قراءة فيه في مقر وكالة المغرب العربي للأبناء في الرباط، في حضور المؤلف سنة 2001. اليوم وبعد الاتفاق التاريخي بين المغرب والإمارات العربية المتحدة، يتطوّع “الإعلام” الجزائري بتشييد مطار دولي جديد في المغرب، أطلق عليه إسم “محمد السادس”، وإخبار الجزائريين بأنّ تصنيفاً دولياً وضعه على رأس أسوأ المطارات في العالم!!!!! الشيء الوحيد الصحيح في هذا “الخبر” هو أنّ ما يصنعه النظام الجزائري، حتى لو كان مجرد خيال، فإنّه يكون بالضرورة في ذيل التصنيفات الدولية وتلك عادته..