يتواصل تنزيل ورش الحماية الاجتماعية الذي يعكس حرص صاحب الجلالة الملك محمد السادس على ولوج عادل للخدمات الطبية والاجتماعية، وذلك وفق تصور يشرك كافة الفرقاء في الجهود الحثيثة المبذولة على هذا المستوى.
ويعد هذا المشروع المجتمعي إحدى دعامات نموذج الدولة الاجتماعية الذي باتت معالمه تتشكل منذ الأزمة الصحية العالمية. ويروم إرساء منظومة تضامنية إجبارية تحقق الحماية للجميع وتيسر ولوجهم إلى الخدمات الاجتماعية والصحية على نحو متكافئ، وتضمن رعاية صحية مستدامة للجميع ضد الأمراض والمخاطر الصحية بمختلف أنواعها.
كما يروم الورش استدراك التأخر الهيكلي في هذا المجال، لاسيما ما يتعلق بالبنيات الاستشفائية والأطر الصحية وتطوير قدرات إنتاج الأدوية واللقاحات والمستلزمات الطبية الأساسية، وذلك استنادا إلى مضامين القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية.
ويتم في هذا المسار الإصلاحي، الاعتماد على آليات الاحتياط الجماعي التي تتوخى تلافي التداعيات المالية المترتبة عن المخاطر الاجتماعية، لا سيما من خلال التأمين الاجتماعي والمساعدة الاجتماعية، ودعم القدرة الشرائية للأسر، وتعميم التأمين الصحي الإجباري، إلى جانب تفعيل الآليات المتعلقة بتيسير الولوج إلى الدعم الاجتماعي.
وقد تسارعت وتيرة تفعيل المحاور الأساسية لهذا الورش على أرض الواقع، سواء تعلق الأمر بالتغطية الصحية الإجبارية، أو AMO تضامن، أو السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، فضلا عن تعزيز البنيات التحتية الاستشفائية بعدة أقطاب طبية جهوية.
الجامعي “محمد السادس” بطنجة، الذي أشرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس على تدشينه متم أبريل الماضي، لبنة جديدة في عملية تطوير وتحديث منظومة الصحة الوطنية، كما يقدم دعما كبيرا للجهود الرامية إلى تعزيز وتحسين خدمات الرعاية الصحية وتقريبها من المواطنين.
ويعد هذا المركز الاستشفائي، الذي توج بجائزة Archdaily Awards 2023 في فئة “الرعاية الصحية”، مجمعا استشفائيا-جامعيا، يتألف من العديد من الأقطاب والمنصات الطبية-التقنية، ومزودا بآخر التكنولوجيات المتطورة في الرعاية الطبية والصحية، ومصمما في شكل هندسي مستدام يجمع بين الأصالة والمعاصرة.
ويتموقع المركز الاستشفائي الجامعي لطنجة، الذي تبلغ طاقته الاستيعابية 797 سريرا، بقلب منظومة صحية بامتياز، على قطعة أرضية تبلغ مساحتها 23 هكتارا (منها 110 ألف متر مربع مغطاة)، حيث تم إنجازه على يد كفاءات مغربية خالصة (100 بالمائة) وإدارة مفوضة للمشروع من طرف الوكالة الوطنية للتجهيزات العامة.
ويقع هذا الصرح الاستشفائي الجامعي الجديد بمحاذاة المركز الجهوي للانكولوجيا، وعلى مقربة من المعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة، كما توجد كلية الطب والصيدلة بشماله الشرقي. وسيقدم علاجات من المستوى الثالث وخدمات طبية من المستوى الثاني. وفي هذا الإطار يقدم المركز خدمات طبية وجراحية شائعة ومتخصصة في المستعجلات و/أو مبرمجة.
ويؤمن المركز الاستشفائي الجامعي بطنجة هذه المهمة بشراكة مع كليات الطب والصيدلة، والمعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة ومؤسسات تعليمية عمومية أو خصوصية. وفي هذا الصدد، يساهم في التدريس الاستشفائي الجامعي وبعد -الجامعي الطبي والصيدلي، ويشارك في التكوين التطبيقي للممرضين وتقنيي الصحة. كما يؤمن مهام العلاجات والتكوين والبحث العلمي والابتكار والتطوير، والصحة العمومية.
وعلى صعيد متصل، يعتبر مشروع إنجاز المستشفى الجديد “ابن سينا” بالرباط، الذي أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، انطلاقة أشغال بنائه، شهر ماي المنصرم، بنية علاجية من الجيل الجديد تتوخى تعزيز العرض الصحي بجهة الرباط – سلا – القنيطرة.
ويعكس هذا المشروع العزم الأكيد على مواصلة إصلاح منظومة صحية وطنية، قادرة على الاستجابة لمتطلبات إنجاح الورش الاجتماعي الكبير المتعلق بالحماية الاجتماعية.
وسيمكن هذا المجمع الاستشفائي المستقبلي، الذي ستبلغ قدرته الاستيعابية 1044 سريرا، من ضمان مزيد من التكامل في الخريطة الصحية على مستوى جهة الرباط-سلا-القنيطرة، مع إعادة إعطاء مستشفى ابن سينا الذي تم تشييده سنة 1954، المكانة التاريخية التي كان يشغلها، كمشتل للكفاءات وبنية للبحث الطبي ذات بعد وطني.
ويأتي هذا المشروع، الذي سيتم إنجازه في أجل 48 شهرا، لتعزيز عرض العلاجات على مستوى جهة الرباط-سلا-القنيطرة الذي يشتمل حاليا على مستشفيات جامعية وإقليمية، بقدرة سريرية تبلغ 4433 سريرا (173 سرير منها 126 تابعة للمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا). وسترتفع هذه القدرة إلى 5049 سريرا في نهاية 2022 مع انطلاق 7 مشاريع استشفائية في تقديم الخدمات (توجد حاليا في طور الإنهاء).
وسيتم تشييده على بقعة أرضية تبلغ مساحتها الإجمالية 11,4 هكتارا، بهندسة عصرية وبعرض علاجي متميز وإدماج للتكنولوجيات المتطورة في المجال، بما يمكن من الاستجابة للاحتياجات الحالية والمستقبلية للمدينة.
ويوجد مركزان استشفائيان جامعيان آخران في طور الإنجاز بكل من أكادير والعيون، فيما تمت برمجة ثلاثة مراكز استشفائية جامعية أخرى بكل من مدن الرشيدية وبني ملال وكلميم.
بالموازاة مع ذلك، سيتم إنجاز مركب استشفائي جامعي بتوجيهات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس على مستوى جهة الداخلة-واد الذهب في إطار شراكة بين الدولة وجامعة محمد السادس لعلوم الصحة والمستشفى الجامعي الدولي محمد السادس.
وعلى هذا المنوال، يتواصل تنزيل ركائز إصلاح المنظومة الصحية الوطنية عبر اعتماد حكامة جديدة تتوخى تقوية آليات التقنين وضبط عمل الفاعلين، وتثمين الموارد البشرية، من خلال إحداث قانون الوظيفة الصحية، وتأهيل العرض الصحي، بما يستجيب لانتظارات المغاربة، بغية تيسير الولوج للخدمات الطبية والرفع من جودتها، فضلا عن رقمنة المنظومة الصحية الوطنية، وذلك عبر إحداث منظومة معلوماتية مندمجة لتجميع ومعالجة واستغلال كافة المعلومات الأساسية الخاصة بالمنظومة الصحية.