بقلم : د. عادل بنحمزة
طلع علينا قبل أيام جبريل الرجوب أمين سرّ اللجنة المركزية لحركة “فتح” ووزير الشباب والرياضة الفلسطيني، بتصريحات مستفزة تمسّ في العمق الوحدة الترابية للمغرب، أدلى بها إلى قناة “الوطنية” الجزائرية، تلك التصريحات تُعتبر مثيرة للشفقة، ليس فقط على الرجوب، بل على كثيرٍ من القيادات الفلسطينية، التي عندما تكون في الجزائر فإنّها تتحوّل إلى مجرّد رجع صدى لسردية النظام العسكري الجزائري حول موضوع الصحراء المغربية.
الرجوب ربط بشكل مباشر بين قضية الصحراء المغربية التي توجد بمبادرة من المغرب في ردهات الأمم المتحدة منذ 1964، لتصفية الاستعمار الإسباني للمنطقة، وبين العلاقات المغربية- الإسرائيلية الحديثة العهد، وهو بذلك يستنسخ آخر ما رست عليه ماكينة الدعاية البليدة للنظام العسكري الجزائري، والمتمثلة في كون المغرب يستقوي بعلاقته بإسرائيل على دول المنطقة، بما يشكّل خطراً على الاستقرار.
وهنا يقول جبريل الرجوب: “أعتقد أنّ الموقف الجزائري بالاحتكام إلى الاستفتاء والحوار مع الأشقاء، وإقصاء أعداء الجزائر والمغرب هو الخيار أو النهج الصحيح”. مضيفاً: “أعتقد أنّ اللجوء إلى الإسرائيليين، أو أنّ إسرائيل يمكن أن تكون مصدر قوة لأحد أو إضعاف أحد، غير صحيح ولن يكون”، ليخلص إلى القول: “عيب أن نستخدم إسرائيل كفزّاعة، وهذا هو موقفنا”.
يُظهر الرجوب هنا جهلاً فظيعاً بالموضوع الذي يتحدث فيه أو تمّ توريطه للحديث فيه، ذلك أنّ الجزائر حوّلت كل الفعاليات واللقاءات التي تحتضنها، إلى منصّة لشتم المغرب والمسّ بوحدته الترابية، وكل أنواع الضيوف على شاكلة جبريل من المؤلّفة قلوبهم، يكونون “مُجبرين” على تقديم تصريحات وخطابات تتبنّى وجهة النظر الجزائرية وتسيء إلى المغرب.
أحد مظاهر الجهل المركّب للقيادي الفلسطيني، أنّه لا يطرح السؤال عن الوضع في المنطقة منذ 1975؟ أي قبل عودة العلاقات بين المغرب و”فزّاعة” إسرائيل بأكثر من أربعة عقود، ولماذا كانت الجزائر تحرّض باستمرار على الوحدة الترابية للمغرب، بل شكّلت ميليشيات مسلّحة على أراضيها توجّه أسلحتها بشكل يومي إلى المغرب، وهي ما زالت موجودة إلى اليوم. بل إنّ الجزائر وإيران تسعيان إلى تزويدها بمسيّرات لضرب العمق المغربي، هل كانت إسرائيل هي السبب؟ الأمر الثاني الذي يُظهر جهل الرجوب، هو ربط الاستفتاء برغبة جزائرية ليقول الصحراويون هل الصحراء مغربية أم جزائرية؟، هذا بالضبط ما يُقال عنه “الزيادة في العلم”، فالجزائريون أنفسهم لا يستطيعون التصريح بذلك، ذلك أنّ مشروع الاستفتاء كما كان مطروحاً في الأمم المتحدة كان يتلخّص في الاختيار بين الاندماج في المغرب أو الاستقلال، ومعروف أنّ الجزائر تبنّت فكرة القذافي بخلق دويلة على مقاسها في الصحراء المغربية، وذلك للوصول إلى المحيط الأطلسي.
فشل مسلسل الاستفتاء لا يعود إلى رفض المغرب، بل إلى موقف الأمم المتحدة على صعوبة تنفيذه، بالنظر إلى التعقيدات التي طرحها مسلسل تحديد هوية المصوّتين في الاستفتاء من الصحراويين، سواء المقيمين في الصحراء المغربية أم المقيمين في كل من الجزائر وموريتانيا. ذلك أنّ اختلافات كثيرة ظهرت بين شيوخ تحديد الهوية من الطرفين، بل إنّ كثيراً من الحالات سُمح فيها بتسجيل الإبن وتمّ الاعتراض على تسجيل الوالد، بما في ذلك حالات داخل أُسر القيادات المؤسِسة لجبهة البوليساريو، هذه الصعوبات الموضوعية تُعتبر تحصيلاً حاصلاً، وهي سابقة على مستوى الأمم المتحدة، إذ أنّ كل الاستفتاءات التي أشرفت عليها لم تعتمد منهجية تحديد الهوية، وبالتالي فإنّ فشل خيار الاستفتاء كان أمراً متوقّعاً لأنّه منذ البداية لم يُبن على أسس منطقية.
في ما يتعلق بعلاقة المغرب بإسرائيل، لا بدّ من التذكير بأنّ يد المغرب مغلولة، لأنّ نظاماً متخلّفاً مثل النظام الجزائري دمّر كل الجسور الممدودة من المغرب في اتجاهه على مدى عقود، وصرف المليارات لمحاربة نضال المغرب من أجل استكمال وحدته الترابية، والمغرب أضاع من أراضيه ما يكفي بحسن نية تقترب من السذاجة. يكفي أنّ المغرب فشل مسلسل الاستفتاء لا يعود إلى رفض المغرب، بل إلى موقف الأمم المتحدة على صعوبة تنفيذه، بالنظر إلى التعقيدات التي طرحها مسلسل تحديد هوية المصوّتين في الاستفتاء من الصحراويين، سواء المقيمين في الصحراء المغربية أم المقيمين في كل من الجزائر وموريتانيا. ذلك أنّ اختلافات كثيرة ظهرت بين شيوخ تحديد الهوية من الطرفين، بل إنّ كثيراً من الحالات سُمح فيها بتسجيل الإبن وتمّ الاعتراض على تسجيل الوالد، بما في ذلك حالات داخل أُسر القيادات المؤسِسة لجبهة البوليساريو، هذه الصعوبات الموضوعية تُعتبر تحصيلاً حاصلاً، وهي سابقة على مستوى الأمم المتحدة، إذ أنّ كل الاستفتاءات التي أشرفت عليها لم تعتمد منهجية تحديد الهوية، وبالتالي فإنّ فشل خيار الاستفتاء كان أمراً متوقّعاً لأنّه منذ البداية لم يُبن على أسس منطقية.
في ما يتعلق بعلاقة المغرب بإسرائيل، لا بدّ من التذكير بأنّ يد المغرب مغلولة، لأنّ نظاماً متخلّفاً مثل النظام الجزائري دمّر كل الجسور الممدودة من المغرب في اتجاهه على مدى عقود، وصرف المليارات لمحاربة نضال المغرب من أجل استكمال وحدته الترابية، والمغرب أضاع من أراضيه ما يكفي بحسن نية تقترب من السذاجة. يكفي أنّ المغرب هو البلد الوحيد الذي كان دولة قائمة لقرون وله سيادة على مساحة واسعة في شمال إفريقيا بشواهد التاريخ والأرشيف الاستعماري، لكنه خرج فاقداً أراضيه بعد الاستقلال الجزئي، بينما دولة لم تكن موجودة مثل الجزائر، ستصبح أكبر دولة مساحة في إفريقيا، ببساطة لأنّها كانت مقاطعة فرنسية، وكانت فرنسا تخطّط للاحتفاظ بها إلى الأبد، فقد اقتطعت لها أراضي من المغرب وتونس وليبيا ومالي… ولذلك ظلّ النظام في الجزائر متحمساً لشعار الحدود الموروثة عن الاستعمار، ببساطة لأنّه مستفيد منه…
على كل حال، العداء السافر الذي يُظهره النظام الجزائري للمغرب ليس جديداً، المثير هو أن يلبس هذا الموقف مَن مِن المفترض أنّهم ضحايا للاحتلال، علماً أنّهم لم يقدّموا يوماً موقفاً مسانداً للوحدة الترابية للمغرب، فالفلسطينيون – أتحدث هنا عن السلطة ومنظمة التحرير و”فتح” – اعتقدوا أنّهم نجحوا دائماً في خداع المغرب بعبارات فضفاضة، فغالباً كان ما يُقال في الجزائر يُناقض ما يُقال في الرباط، فالقيادات الفلسطينية تأكل من كل الموائد…، لكن في الواقع كان المغرب يتعامل مع وضعها بمنطق “الله إرحم ضعفنا”، ولم يكن يلحّ رفقاً بها ممن يريدون توظيفها في معاركهم التي بلا معنى. اليوم يتحدث جبريل الرجوب كما تحدثت بالأمس حنان عشراوي بكل استفزاز ورعونة، ما يستوجب تذكير من يحتاج إلى تذكير، بكون مثل هذا السلوك سلوكاً متجذّراً في منظمة التحرير الفلسطينية، التي تلوّنت بين المواقف في سياقات مختلفة، من الأردن إلى الكويت مروراً بلبنان والمغرب، وما خفي كان أعظم…
واحدة من صور الوفاء المغربي للقضية الفلسطينية بعيداً من قياداتها المتلونة، يمثلها الزعيم المغربي الراحل علال الفاسي، الذي لعب دوراً بارزاً في القضية الفلسطينية، وكان واحداً ممن شهدوا وساندوا تأسيس حركة “فتح” ومنظمة التحرير الفلسطينية. فالزعيم الفاسي، بوصفه الأمين العام لمكتب المغرب العربي في القاهرة – حيث كان منفياً – قام بعمل كبير وسط الطلبة الفلسطينيين في القاهرة، الذين كان من بينهم الراحل ياسر عرفات، ولا يجب أن ننسى أنّ قادة الكفاح الفلسطيني كانوا ينادون الزعيم علال بلقب “الوالد”، ونتيجة هذه الحضوة، كان علال الفاسي أحد القلائل الذين كانوا على معرفة مسبقة بساعة انطلاق الرصاصة الأولى لتحرير فلسطين سنة 1965. واستمرت مكانة الفاسي عالية عند القيادة الفلسطينية، بل شاءت الأقدار أن تكون آخر مهامه، بطلب من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية قبل أن يدركه الأجل المحتوم، مطالبة الرئيس الروماني نيكولاي تشاوسيسكو بإنشاء مكتب للمنظمة في بوخاريست، وهو المطلب الذي وافق عليه حالاً تشاوسيسكو، وبعدها مباشرة فارق الزعيم علال الفاسي الحياة. هكذا يكون الوفاء يا سيّد جبريل…