عادت الخلافات مجدداً بين المغرب والجزائر بعد إعلان الأخيرة عزمها الانطلاق في استغلال منجم “غار جبيلات”، أحد أكبر مناجم الحديد في العالم على الحدود بين البلدين، مما أثار سجالاً لدى المغاربة الذين اعتبروا الخطوة خرقاً لاتفاق سابق بين الطرفين.
وأشعل توقيع الجزائر مذكرة تفاهم مع تركيا لاستغلال منجم “غار جبيلات” فصلاً جديداً من مسلسل التوتر الجزائري – المغربي على مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل، بين من يرى أن القرار مخالف لاتفاق بين الجزائر والمغرب بخصوص استغلال المنجم يعود لعام 1972 ونص على إنشاء شركة مختلطة في هذا الإطار، في حين تعتبر أطراف أخرى أن التفاهم السابق غير ملزم ومن حق الجزائر إسقاطه واختيار ما تراه مناسباً
وتعليقاً على الخطوة يقول الباحث في العلوم السياسية عمار سيغة لـ “اندبندنت عربية”، إن الاتفاق الموقع بين الجزائر والمغرب عام1972 والذي تم عشية اتفاق ترسيم الحدود بين البلدين كان تهدف إلى استغلال مشترك للمنجم، غير أن توتر العلاقات وقطعها في ما بعد من طرف المغرب عام 1976 جمد المشروع.
ويواصل سيغة أن الجزائر قررت استغلال المنجم بداية من أغسطس (آب) 2022، مضيفاً أنه يقع داخل التراب الجزائري وضمن حدودها السيادية، مما يجعل أمر استغلاله من حقها وهو تصرف قانوني، على حد قوله، مؤكداً أن “إثارة الجدل من طرف المغرب ليس سوى مناورة فاشلة”، ومستبعداً نشوب حرب بسبب المنجم لاعتبارات عدة من أهمها المصالح الاقتصادية الأجنبية في المنطقة
ولم تصدر الرباط أية بيانات أو تصريحات رسمية بخصوص القضية، لكن النقاشات مستمرة بين مختلف شرائح المجتمع المغربي، إذ يرى المحلل السياسي المغربي سالم عبدالفتاح أن خطوة الجزائر “خرق سافر لاتفاق الاستغلال المشترك الموقع بين البلدين، وهو ما من شأنه أن يؤثر في اتفاق ترسيم الحدود بينهما”.
ويوضح أن اتفاق الاستغلال المشترك كان في سياق التفاهمات حول ترسيم الحدود، مضيفاً أن “استعانة الجزائر بشركات صينية لإنجاز المشروع محاولة للاستقواء بقوى أجنبية في ما يتعلق بالمشكلات الحدودية بين البلدين”.
تقدر احتياطات هذا المنجم الضخم بـ 3 مليارات طن، وكان قد تعطل استغلاله منذ أربعة عقود نتيجة الأوضاع المرتبطة بالنزاع في منطقة الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة “بوليساريو”، إذ تعول الجزائر على إنتاج بين 40 و 50 طناً سنوياً من الحديد المستخرج من “غار جبيلات” الذي تم اكتشافه عام 1952 خلال فترة الاستعمار الفرنسي.
وكشفت عن اتفاق ثان مع مجمع صيني في نهاية العام الحالي يسمح بتصدير 500 ألف طن من الحديد الخام إلى الصين، واتفاق ثالث مع شركة الحديد والصلب الجزائرية القطرية لتثمين الحديد الخام.
وبدأت الجزائر أولى عمليات التفجير لإجراء الاختبارات اللازمة لاستغلال المنجم منذ يونيو (حزيران) الماضي، وقدرت الدراسات التي أنجزتها الحكومة الجزائرية كلفة المشروع بحدود 15 مليار دولار، ويجري تنفيذ الاستغلال على مراحل ثلاث تنتهي الأولى في غضون 2024، ويتم خلالها إنجاز البنية التحتية للمشروع ووحدة نموذجية للإنتاج، لتبدأ المرحلة الثانية حتى عام 2027، وسيتم خلالها إنتاج ما بين مليونين و4 ملايين طن من خام الحديد، على أن يرتفع الإنتاج في المرحلة الثالثة إلى ما بين 40 و50 مليون طن