
الصحافي أمين بوشعيب/ إيطاليا

وأنا أتابع ما يجري في وطني الحبيب، أضع دائما يدي على قلبي، وأدعو الله وأسأله اللطف فيما جرت به المقادير، في عهد حكومة أخنوش، التي توصف بأنها حكومة الباطرونا وتضارب المصالح.
آخر الأخبار التي أثارت قلقي، هو ما يقع في العاصمة المغربية الرباط، حيث يتمّ هدم مساكن ومحلات تجارية ومنازل العديد من المواطنين بحي المحيط والمناطق المجاورة له. وبالموازاة مع ذلك تقوم السلطات المحلية، بإشعار السكان بضرورة إخلاء محلاتهم ومنازلهم والرحيل عن تلك المناطق.
ووفق مصادر مسؤولة عن حزب التجمع الوطني للأحرار (الحزب الأغلبي الحاكم) وعضو المجلس الجماعي لمدينة الرباط، تقول إنّ ما تشهده بعض الأحياء العاصمة اليوم، يأتي في إطار تنزيل تصميم التهيئة الحضرية الذي سبق أن تمّ التصويت عليه من قبل الأغلبية على مستوى المقاطعات أو مجلس الجماعة كذلك. وإن السلطات الوصية تقوم في الوقت الراهن بتنفيذ هذا التصميم الخاص بالتهيئة، والذي يضم توسعة شوارع وهدم مجموعة من البنايات ببعض المناطق، وذلك في إطار السعي إلى جعل المدينة بالفعل عاصمة قارية. ووفق نفس المصادر فإن تنفيذ هذا التصميم من المرتقب أن يعرف مجموعة من المراحل مستقبلا، ستهمّ عددا من المناطق والأحياء الأخرى، في إطار مكافحة البناء العشوائي داخل المدينة.
في حين ترى النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي أن قرارات الهدم التي طالت منازل ساكنة حي المحيط وما جاوره، لا أساس قانوني لها، حيث طالبت وزير الداخلية بالتدخل الفوري لوقف عمليات هدم المنازل، مع تقديم توضيح قانوني وإيجاد حلول عادلة للساكنة. وشددت على ضرورة ضمان احترام حقوق الملاك والمكترين وفقا للمقتضيات الدستورية والقانونية، مشيرة، لانعدام أي أساس قانوني لقرار الهدم.
وسط هذا التضارب، فإن ما يقع يجسّد مأساة حقيقية يعيشها المواطنون في تلك الأحياء العريقة. إذ “كيف نغادر مساكننا بعد 70 سنة؟ ولصالح من؟” يتساءل سكان الساحل البحري لحي المحيط بالعاصمة الرباط بحسرة على منازل قطنوها لأكثر من 7 عقود، غير مستوعبين لفكرة إخراجهم من تحت أسقفها، وهدمها بقرار يرون أنه “يفتقر لأي سند قانوني”.
أحد القاطنين بأحد المنازل المهددة بالإخلاء، يشير إلى أن السلطات المحلية “تمارس ضغوطاً لإقناع السكان بأن الأمر يتعلق بقرار رسمي صادر عن الدولة”، ومع ذلك، لم يتوصل السكان وفقاً للمتحدث بأي وثيقة رسمية تثبت ذلك. ويقول: “نحن ندرك تماماً كيفية سير الأمور والإجراءات القانونية الواجب اتباعها. إذا كان الهدف من هذه العملية تحقيق المنفعة العامة، فنحن نرحب بها، لكن إذا كان الهدف تهجير ساكنة قديمة وإحلال أخرى، فهذا أمر غير مقبول، لا سيما أننا نقطن في هذه المنطقة منذ أكثر من 70 عاماً. ويعتبر إخراجنا من المنازل التي نقيم بها لعقود ظلماً لا يتماشى مع رؤية الملك محمد السادس، التي تُعطي الأولوية لكرامة المواطنين”، مؤكداً أن السكان المتضررين يرفضون ما وصفه بالقرار غير المبرر”، مبدياً العزم على مقاومته “لأننا لا نفهم مبرراته الحقيقية، ولا نعلم لمن تم التفويت وكيف ولماذا”.
إلى ذلك، أدان ثلة من الفاعلين السياسيين والحقوقيين والنقابيين والجمعويين عملية الهدم التي طالت حي المحيط والمناطق المجاورة له، وطالبوا السلطات المحلية بالتوقف الفوري وتعويض المتضررين عن الضرر، ونبهوا إلى خطورة الآثار الاجتماعية والحقوقية العامة الناجمة عن عمليات هدم المساكن، وترحيل ساكنتها، واستنكروا ما تعرض له المواطنون بهذه المناطق من ضغوطات وترهيب وترغيب في محاولة تهجيرهم قسرا وبدون توضيح لسبب هذا القرار أو عن الجهة التي أصدرته أو عن المصلحة المتوخاة منه.
ويرى مراقبون أن ما يجري بحي المحيط بالخصوص، واعتبارا لكون جماعة الرباط “لم تناقشه”، هو اعتداء مادي على ملكية المواطنين الذي شرعن له قانون المالية لسنة 2025، والذي يقوم من خلال المساس المباشر من قبل أشخاص القانون العام، سواء كانت جماعة ترابية، مؤسسة عمومية أو الدولة، بالملكية الخاصة، دون اتباع الإجراءات القانونية والإدارية الواجبة.
وفي هذا السياق، أكد مستشارون عن فرق المعارضة بمجلس المدينة، أن مباني حي المحيط ومنطقة السانية الغربية التي تخضع للهدم ولنزع الملكية لا تدخل ضمن مشروع القرار المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5348 بتاريخ 26 فبراير الماضي، المتعلق بالمناطق المنزوعة ملكيتها، في إطار مشروع تصميم التهيئة، موضحين أنه لا علم لهم بالمسطرة القانونية ذات الصلة بهذا الأمر.
ويبقى السؤال المطروح: لصالح من تُسلّم أراضي المغاربة؟
في حوار صحفي كشف المستشار الجماعي، الأستاذ فاروق المهداوي، أن ما يحدث في الرباط تهجير قسري لآلاف المواطنين من بيوتهم تحت التهديد، وهدم منازلهم ومصادرة أرزاقهم، وأن هذه العمليات تتم لفائدة “جهات أجنبية مجهولة” دون الكشف عن هويتها أو عن طبيعة “المصلحة العامة” التي تقتضي تشريد الأسر الآمنة.
والأخطر من ذلك، يقول هذا المستشار الجماعي، أن الأثمنة الهزيلة التي تعرضها، بل تفرضها السلطات لتعويض السكان تم تحديدها لصالح تلك الجهات الغامضة، لا لصالح المواطنين. ومع ذلك يُجبر السكان على القبول بها قسرًا وبدون تفاوض.
لا غرابة أن تقوم السلطات المحلية بالرباط بهذا الفعل الشنيع، وقد سبقتها السلطات المحلية بمدينة الدار البيضاء بفعل أشنع منه، وكلها تتلقى الأوامر من حكومة أخنوش. حيث أقدمت هذه الأخيرة، على هدم العمارة التاريخية الشهيرة بمنطقة العنق، بمدينة الدار البيضاء، والتي يعود بناؤها إلى 75 سنة خلت، وذلك بعدما أشعرت الساكنة قبل أيام بقرار الإفراغ، وهو الأمر الذي أثار غضب واستياء القاطنين بها، نظراً لأن هذه الأوامر جاءت في غفلة منهم.
فكيف تجرؤ هذه الحكومة وسلطاتها على هدم مثل هذه البنايات التاريخية الفوّاحة بعبق الحضارة المغربية، والشاهدة على ماضٍ تليد، مع العلم أن الحواضر العالمية تحافظ على واجهاتها العمرانية التاريخية، لأنها تُصنّف ضمن التراث الثقافي اللامادي؛ بينما لا تتوفر حكومتنا على سياسات واضحة في هذا المجال؟!
فلاش: في مقال له، يرى رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أنّ ما يجري في الرباط اليوم يعيد إلى الأذهان ما تعرضت له قبائل الرعاة الرحل “إرحالن” في مناطق الرشيدية والأقاليم المجاورة، حيث تم انتزاع أراضيهم الشاسعة التي يعيشون عليها وينتجعون فيها منذ قرون، وتسليمها ليهود صهاينة أقاموا عليها مشاريع لزراعة “المجهول” وتسويقه كتمور إسرائيلية.
ويحذّر أن هذه الجرائم لا تقتصر على الرباط أو الجنوب الشرقي أو الأقاليم الصحراوية التي شهدت عدة مسيرات ضد مصادرة الأراضي لفائدة “جهات مجهولة ” !!، بل تصل إلى أصيلا، حيث يشكو السكان من انتزاع أراضي الجموع والأحباس لصالح “يهود” متنفذين. وكل ذلك يتم بغطاء مشبوه؛ إداري و”قضائي”، باستعمال النفوذ والرشاوى والصفقات المغلقة. ليدقّ ناقوس الخطر حين يقول: ” إن ما نعيشه اليوم، من تهجير قسري، وتواطؤ مع جهات صهيونية، واستغلال القضاء لخدمة لوبيات المال والسلطة، مقابل قمع المناضلين الوطنيين، ليس إلا مؤشرات على دخول المغرب مرحلة خطيرة. ومن يدري فقد نتفاجأ غدا بحكومة يترأسها أحد الصهاينة بعد إجراء الانتخابات التشريعية وحصول حزبه على الأغلبية؟
لذلك أناشد من هذا المنبر، من يهمهم الأمر، التدخل الفوري، قبل فوات الأوان، لوقف هذا العبث الذي يقوم به أخنوش وحكومته، فالمغرب أصبح على شفا انفجار اجتماعي خطير. اللهم إنا نسألك اللطف فيما جرت به المقادير!