الصحافي أمين بوشعيب- إيطاليا
منذ سنتين كتبت مقالا عن ورطة الحكومة المغربية في التعامل مع وباء كورونا الذي اجتاح المغرب، وأشرت فيه إلى أن الحكومة باشرت تنزيل عدة إجراءات وتدابير بطريقة ارتجالية دون فسح المجال لتوفير شروط إعمالها، مما أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية للشعب المغربي، لا تزال آثارها سارية المفعول.
واليوم، وبعد أن تعرض المغرب لزلزال مدمر كانت الحكومة وتوابعها أول الغائبين، لم نرَ لا وزيرا ولا برلمانيا ولا رئيس جماعة، ولا إعلاما رسميا ينقل ما حدث في المنطقة المنكوبة. وحتى عبد الإله بنكيران الذي تعودناه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا خاض فيها، لم نسمع له ركزا. وبالمناسبة فهناك شهود عيان أفادوا بأن عددا كبيرا من العالقين تحت الأنقاض بقوا يستغيثون بعد الزلزال لأكثر من ثلاثة أيام، دون مجيب حتى قضى نحبهم.
الشعب المغربي -بإمكانياته المتواضعة- هو أول من بادر إلى إغاثة ونجدة إخوانه، فمنذ الوهلة الأولى بعد وقوع الزلزال هرع الناس أفرادا وزرافات من كل حدب وصوب، وبذلوا جهودا هائلة وسخاء أذهل الجميع، حيث حملوا معهم كل ما يستطيعون من أدوية ومواد غذائية وأفرشة وأغطية وخيام في لهفة قلّ نظيرها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
هذه الروح الإيجابية والحملة التضامنية التي أبان عليها الشعب المغربي كانت مثار إشادة دولية. وتبقى الصور والفيديوهات التي نقلتها لنا وسائل التواصل الاجتماعي، خير دليل على عظمة هذا الشعب الأبي، الذي قدّم درسا إنسانيا رفيعا، عبّر من خلاله عن معدنه الأصيل، وعن تلاحمه وتضامنه المبهر في الأزمات. ومن جهة أخرى، سارع المغاربة من خارج أرض الوطن إلى إرسال مبالغ مالية لفائدة ضحايا الزلزال، لمواساة إخوانهم في هذه الظروف العصيبة.
ونحن هنا لا ننكر دور السلطات المحلية والقوات المسلحة الملكية، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، والهلال الأحمر المغربي، والدرك الملكي، والقوات المساعدة، وعناصر الوقاية المدنية وجهودهم بعد ذلك، في الوصول إلى القرى والدواوير المتضررة بفضل التعبئة النموذجية والمتواصلة.
لكن ما أريد أن أبيّنه في هذه المقالة، هو المفارقة العجيبة في التعامل مع هذا الحدث الجلل، فأعضاء الحكومة والبرلمانيون ورؤساء الجماعات وأعضاؤها الذين انتخبهم الشعب غائبون، في الوقت الذي كان يجب عليهم أن يكونوا هم أول من يتواجد في المنطقة التي أصابها الزلزال، لكن هبة الشعب المغربي وتأهبه لدعم المتضررين من الزلزال، غطّت على تقاعسهم، وذلك بتسطريه بطولات رائعة للتضامن والمواساة والتكافل، ساهم في صنعها كل المغاربة من داخل المغرب وخارجه، وهو الدليل على أن هذا الشعب قادر على تدبير أمره بنفسه مستغنيا عن هذه الحكومة التي وجودها كعدمها. وهي رسالة واضحة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش الذي توعّد المغاربة ذات يوم بإعادة التربية.. رسالة له شخصيا، فيها درس بليغ لعله يتعلم من خلاله معنى المسؤولية الحقة، والمعنى العملي للروح الوطنية.
وفي الوقت الذي كان الشعب المغربي منشغلا بجمع المساعدات لنقلها إلى المناطق المتضررة، كانت حكومة أخنوش تبحث عن كيفية استغلال هذه الكارثة لجمع الأموال، وذلك عن طريق فرض الاقتطاعات على الموظفين، وإجبار الشركات والمؤسسات العمومية وغير العمومية على “التطوع” المالي في الصندوق الذي أحدثته لهذا الغرض.
ولكن هل العمل التطوعي يكون بالإجبار والإكراه؟ يتساءل أحد المغاربة.
فيما تساءل آخرون عن مصير “الصندوق المتعلق بمكافحة آثار الكوارث الطبيعية الذي أُحدثَ في عهد حكومة سعد الدين العثماني، حيث كتبت إحدى الصحف المغربية بأن كل الأنظار تتجه إلى وزارتيْ الداخلية والمالية بسبب إشرافهما على هذا الصندوق المحدث بموجبه نظام التغطية ضد عواقب الوقائع الكارثية، والذي يجعل كل ضحية يستفيد من تعويض عن كل حادث نجمت عنه أضرار مباشرة جراء القوة غير العادية لعامل طبيعي أو إلى الفعل العنيف للإنسان. وفي غياب البيانات والتقارير المتعلقة بهذا الصندوق والتي لا يُرى أثرها على الأرض تغيب الثقة في المشرفين على مثل هذه الصناديق. مما يجعل المغاربة يتساءلون: إلى أين تذهب هذه الأموال؟ ولماذا لا يساهم عزيز أخنوش الملياردير وهو يمتلك ثروة تقدر بالملايير، ولو بخفض ثمن المحروقات، بدل اقتطاع المساهمات من الموظفين بالإكراه !؟ فالموظفون المغاربة مستعدون للمساهمة بأضعاف ما فُرض عليهم، ولكن بإرادتهم وبالطريقة التي يتأكدون من خلالها بأن مساهماتهم صرفت فعلا في التخفيف من أثار الزلزال. وبكلمة، فما تقوم به حكومة أخنوش ما هو إلا استغلال للزلزال لتبرير الاعتداء على أرزاق الموظفين. يقول أحد النشطاء المغاربة.
فلاش: لا أريد أن أبخس الحكومة المغربية حقها، لذلك استدرك في هذا الفلاش لأنوه إلى أن هذه الحكومة قد التقت يوم الجمعة متضررين بالمناطق التي ضربها الزلزال. فبعد مرور أسبوع بالتمام والكمال التقت فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، الساكنة المتضررة من الزلزال بمنطقة أمزميز التي تبعد عن مدينة مراكش بـ 56 كلومترا. ودعت المتضررين إلى الصبر “احتراما للأموات”، الذي قضوا نحبهم في الزلزال المدمر. فصبرا جميلا أيها المتضررون!