قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تقديم موعد الانتخابات الرئاسية واجراءها في السابع من شتنبر المقبل، بشكل مفاجئ، قبل أن تعود وكالة الأنباء الرسمية لتلمح إلى ترشحه لولاية ثانية تحت مُبرر “استكمال اتفاقه مع الجزائريين” في ظل ما وصفتها بالحسابات الجيوسياسية والتهديدات الخارجية الحقيقية، وهو ما اعتبر جس نبض للشارع الجزائري قبيل الإعلان الرسمي عن الرغبة في الاستمرار على كرسي رئاسة قصر المرادية.
ولم يكن يتوقع أكبر المتفائلين إقدام الرئيس الجزائري على تقديم موعد الانتخابات الرئاسية واجراءها قبل موعدها الدستوري بنحو ثلاثة أشهر مما فتح المجال للقراءات والتأويلات السياسية لمعرفة دوافع اتخاذ هذا القرار “المثير”، خصوصا وأن هذا المستجد أعقب صدور تقرير استخباراتي بريطاني أكد بأن دوائر الحكم في الجزائر تدرس احتمالية تأجيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في دجنبر المقبل لستة أشهر أخرى، كنتيجة للتردي الأمني والاقتصادي الذي بات يُشكل مصدر قلق متزايد في البلد، ويُضاهي واقع التراجع المسجل على مستوى العلاقات الخارجية مع مجموعة من الدول بما فيها دول الجوار، فضلا عن “الضغوط المتزايدة على الرئيس عبد المجيد تبون للتنحي”، بسبب واقع الانقسام والتصدّع بين الرئاسة الجزائرية والجيش، وتسجيل هذا الأخير أوما يسمى بـ “الدولة العميقة” التي تهيمن عليها دائرة الاستعلام والأمن القديمة عدم رضاهم عن تبون.
بالمقابل، لم يُعلن تبّون ترشّحه رسميا لقيادة قصر المرادية لولاية ثانية، في السياسية المعارضة زبيدة عسول، التي كانت أول المترشحين.
وحسب وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية كتبت أن ترشح الرئيس عبد المجيد تبون لولاية رئاسة ثانية هو “استكمال اتفاقه مع الجزائريين”، مؤكدة أن إعلان تقديم الانتخابات الرئاسية الجزائرية إلى شتنبر المقبل، هو الإشارة الرسمية لنهاية الأزمة.
كما علقت الوكالة الأنباء الجزائرية على هذا القرار في مقال مطول بالقول: “يبدو أن الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية إلى سبتمبر 2024 قد فاجأ الكثير من الناس، لقد أدى رئيس الجمهورية في حرصه على الشفافية إلى زعزعة استقرار خصومه، وأيضاً حلفائه إلى حد ما بهذا الإعلان، الذي يبدو وحشياً من حيث الشكل، لكنه متماسك جداً..”
وجاء أيضا، فى مقال للوكالة، إن “تقاليد مضطربة بسبب أحداث سياسية استثنائية في خطورتها، وبالتالي فإن إعلان الرئيس تبون هو الإشارة الرسمية لنهاية الأزمة، والدولة الجزائرية لم تعد في أزمة أو حالة طوارئ، وقد استعادت استقرارها، واستعادت مؤسساتها توازنها. لقد استعادت عملية صنع القرار، ولذلك تتم إعادة معايرة جدول الأعمال الانتخابي وفقاً لهذا المعيار”.
وأبرزت الوكالة الأنباء الجزائرية، أن تفكير الرئيس تبون اهتم بإعادة استقرار هيكل الدولة، مسترشداً بالقاعدة الديمقراطية التي تقوم على العودة إلى الهدوء الدستوري والمؤسساتي، حتى لو كان ذلك يعني تقصير فترة ولايته الرئاسية.
كما اعتبرت أن الدرس الثاني لإعلان تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، يخص “مؤشر” ثقة الرئيس تبون بشعبه ومواطنيه وناخبيه، لافتة إلى أن الشعب هو صاحب القرار الوحيد والمحاسب الوحيد لأعمال رئيس الجمهورية.
وذكرت أن بعض ما وصفتهم بـ”الأصوات المعتادة بدأت في بناء السيناريوهات الأكثر سخافة، وفشلت في فك رموز الصندوق الأسود الرئاسي”، مشيرة إلى أن الرئيس تبون أسس منذ بداية ولايته لما وصفتها بـ “لغة الحق والصراحة الخالصة مع شعبه، دون التفاف ومن دون غموض، حتى لو كان ذلك يعني صدمة البعض، أو إزعاج الآخرين”، كما تطرقت إلى الحسابات الجيوسياسية، معتبرة أن “التهديدات الخارجية حقيقية وملموسة لدرجة أن تقصير العهدة الرئاسية أصبح ضرورة تكتيكية، تحسباً للاضطرابات المخطط لها”، مشددة على أن “القضية الدولية تطغى على القضية الوطنية.. والرئيس تبون لم يحقق أهدافه بالكامل ووعوده الرسمية والتزاماته التي لا تتزعزع، لذلك سيظل يركز بالكامل على استكمال اتفاقه مع الجزائريين”.
وتنص المادة 245 من قانون الانتخابات الجزائري على أنه ” تجرى الانتخابات الرئاسية في ظرف ثلاثين يوما السابقة لانقضاء عهدة رئيس الجمهورية، وعليه وبما أن الرئيس تبون بدأ عهدته الرئاسية في 19 دجنبر 2019 فالانتخابات الرئاسية كان من المقرر أن تنظم دستوريا ما بين 19 نونبر و19 دجنبر، وهو ما يعني أيضا أنه يوجد خرق واضح للبنود المنصوص عليها في تشريعات البلد.
وباستحضار حالات الاستثناء فإن القانون الجزائري المؤطر للانتخابات الرئاسية، نص في المادة 94 من الدستور على ثلاث حالات تسمح بتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، ويتعلق الأمر باستقالة الرئيس من منصبه، أو حالة وجود مانع وعجز صحي إضافة لحالة الوفاة، وهو ما لم يتحقق في الوضع الحالي.
ويرجّح مراقبون، لوجود أسباب “طارئة” تعلمها الدولة العميقة في الجزائر دفعت تبّون لإعلان قرار انتخابات سابقة لأوانها، ودون الكشف عن تفاصيلها لعموم الرأي الوطني أو الدولي، لكن من جهة ثانية، يوجد بند صغير ورد في الدستور الجزائري الجديد الذي صدر في عام 2020 يعطي بمقتضى البند 11 من المادة 91 منه كل الصلاحيات لرئيس الجمهورية بدون شروط وضوابط لأن يقرر تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، وهو ما يعني أن تبّون قرر تغيير الموعد من هذا الباب بالضبط.
ويبدو من جهة ثانية، أن واقع ترتيب انتخابات سابقة لأوانها مرتبط أيضا بزيارة الرئيس الجزائري لفرنسا المرتقبة في أواخر شتنبر وأوائل أكتوبر والتي أعلن عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق، ليبقى السؤال هل تبون سيزور فرنسا كرئيس وقتها أو كمرشح للانتخابات.
وكالات