بقلم: الصحافي أمين بوشعيب/إيطاليا
في سابقة تاريخية تمثلت في الحدث التاريخي األبرز ليوم الخميس 11 يناير 2024 ،عقدت محكمة العدل الدولية بالهاي، جلساتها األولى
لمقاضاة إسرائيل، استجابة للدعوى القضائية التي تقدمت بها دولة جنوب أفريقيا في 29 ديسمبر/ كانون األول 2023 ،من أجل النظر في التهم
الموجهة إليها بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. وتطالب فيها المحكمة باتخاذ إجراءات من أجل حماية الفلسطينيين، خالل
الحرب الوحشية التي يخوضها االحتالل ضد القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين األول الماضي.
ومعلوم أن محكمة العدل الدولية، هي هيئة قضائية دولية، تأسست عام 1945 بموجب ميثاق األمم المتحدة، تقوم على تسوية النزاعات الدولية
بطريقة سلمية، بعدما عرفت العالقات الدولية العديد من القضايا الخالفية.
هذه المحكمة المؤلفة من 15 قاضيا ستنظر في قضية انتهاك االحتالل اإلسرائيلي ألحكام اتفاقية اإلبادة الجماعية، التي انضمت إليها إسرائيل
هي األخرى، بهدف دعم موقفها أمام العالم في موضوع أن “الشعب اليهودي قد تعرض لإلبادة على يد النازية” ومن المصادفات الغريبة أن
كال من دولة جنوب أفريقيا وإسرائيل كانتا مشتركتين في تطبيق نظام الفصل العنصري )األبارتايد( وأنهما انضمتا معا إلى “اتفاقية منع جريمة
اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها” في نفس السنة )1951 )إال ان الفرق بينهما هو أن جنوب إفريقيا تخلصت من نظام الفصل العنصري والذي
ّص منه. استمّر لمدة 46 ا، وذلك بعد حملة طويلة وشاقة من المقاومة
عا ًم . فيما ال يزال الفلسطينيون يقاومون للتخل
لذلك، فجنوب إفريقيا التي تدرك تمام اإلدراك حجم معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، والذي يعيش تحت نظام فصل عنصري وحصار غير
قانوني وجرائم حرب متواصلة، بادرت إلى التضامن األخالقي مع نضال الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والحصول على استقالله.
وت عد هذه هي المرة األولى التي تجري فيها مقاضاة إسرائيل على االنتهاكات التي ارتكبها في حق الشعب الفلسطيني منذ سنة 1948 ،حيث
أقدمت العصابات الصهيونية آنذاك على ارتكاب أكثر من 100 مجزرة كبرى راح آالف الضحايا من الفلسطينيين. وها هي اليوم، ال تزال
وفقا 7 من نظام روما ً ترتكب أفظع الجرائم الوحشية على قطاع غزة ضد أطفالها ونسائها وشيوخها، وهي جرائم ال تحتاج إلى إثبات للمادة
األساسي ضد اإلنسانية ، ألنها أفعال تتوفر فيها جميعا مقومات جرائم الحرب ، والجرائم ضد اإلنسانية والتطهير العرقي، لكن إسرائيل بقيت
خارج دائرة المحاسبة، إلى أن أقدمت جنوب إفريقيا بكل شجاعة على مقاضاتها أمام محكمة العدل الدولية.
من أجل ذلك أعدت جنوب أفريقيا ملفا يتألف من 84 صفحة، وفريقا قانونيا يتسم بالكفاءة العالية، يتكون من أساتذة قانون، وأعضاء في منظمات
مق ّدمة من طرف هذا الفريق، فإن األعمال التي ارتكبتها
حقوقية، ومحامين متخصصين في القانون الدولي وحقوق اإلنسان. وبحسب الحجج ال
إسرائيل في غزة، تحمل طابع اإلبادة الجماعية، حيث قدم الملف أدلة على ذلك، وتتمثل في صور األعالم اإلسرائيلية الموضوعة على أنقاض
منازل المدنيين المدمرة جراء القصف العشوائي والمقابر الجماعية للفلسطينيين، فضال عن تصريحات قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين بما
في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته. إلى غير ذلك من اإلثباتات الموثقة.
الحكومة الصهيونية رّدت على دعوى جنوب إفريقيا بانتقادات الذعة، واصفة االتهامات باإلبادة الجماعية أنها “ال أساس لها من الصحة” في
حين قال ال رئيس اإلسرائيلي، إسحق هرتسوغ، »ال يوجد ما هو أكثر وحشية وسخافة” من هذه الدعوى.
وأما رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، فإنه كان يعيش أسعد أيامه في تلك األثناء حيث صرح: “بينما كان محامونا يدافعون عن قضيتنا
)يقصد القضية الفلسطينية( في الهاي، لم أشعر قط بالفخر الذي أشعر به اليوم وأنا أرى رونالد الموال، ابن هذه األرض، يدافع عن قضيتنا في
المحكمة.” وأضاف في تح ّد لقوى االستكبار العالمي: “البعض يقول إن الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر، نحن بلد صغير ولدينا اقتصاد
صغير، وقد يهاجموننا، لكننا سنظل متمسكين بمبادئنا، ولن نكون أحرارا حقا ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني أيضا.”
هذا حال حكومة جنوب إفريقيا، فأين حكوماتنا العربية؟
عند بداية الغزو الصهيوني على قطاع غزة وجه رئيس وزراء اإلسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة تهديد صريحة إلى القادة العرب المشاركين في
القمة العربية اإلسالمية التي التأمت مؤخرا في الرياض، وطالبهم .. ل بل أمرهم بالتزام الصمت تجاه ما يحدث، إذا أر ادوا الحفاظ على كراسيهم.
فالتزموا الصمت من شدة الخوف، بل هناك منهم من شارك في حصار وتجويع أهل غزة، مع منع الشعوب من الت ظاهر والعتصامات، ومن
كل أشكال التضامن مع إخوانهم في فلسطين، كل ذلك تقربا وتزلفا للصنم الكبير النتن ياهو، لعله يرضى.
سْو إن مبادرة جنوب إفريقيا بتقديم هذه الدعوى، هي وصمة عار على جبين الدول العربية واإلسالمية، وفضيحة كبرى ع ّرت عن ءاتهم،
وبيَّنت أنهم ل يملكون استقاللية القرار السياسي والسيادي ، ذلك أن “العالم العربي كله أصبح جزءا من “إسرائيل الكبرى” دون
الحاجة إلى “تهويده”. ذلك أن “الصهيونية” بما هي أعلى مراحل اإلمبريالية قد تحولت إلى استراتيجية الستعمار غير المباشر
الستعمار السياسي والقتصادي والثقافي-التي أثبتت فعاليتها خالل العدوان على غ ّزة.” وهو ما يف ّسر صمت الدول العربية
واإلسالمية وخضوعها إلمالءات الغرب الصهيوني، وعدم قدرتها على القيام بأضعف اإليمان وهو قطع العالقات مع الكيان
الصهيوني أو تعليقها على األقل وطرد سفرائه، كما فعلت بعض الدول غير العربية وغير اإلسالمية. ولكن هيهات هيهات !
فلاش: أما حال حكومتنا في المغرب فهو أشد غرابة وأشد إثارة للشفقة. ذلك أن رئيسها عزيز أخنوش مرعوب حتى من تسل العريضة الشعبية ّ
المطالبة بإسقاط تطبيع الدولة المغربية مع العدو الصهيوني، والتي أطلقتها وتقدمت بها مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين.
هذا الرفض غير المبرر استنكرته المجموعة واعتبرته مناقضا للدستور المغربي، الذي ين ّص في )الفصل 15 )على إلز ام السلطات العمومية
بتلقي العرائض ومنح هذا الحق لعموم المواطنين والمواطنات. وبدل أن تتجاوب الحكومة المغربية مع نبض الشارع المغربي، يخرج الناطق
الرسمي باسمها ليبرر الفضيحة بتصريح فيه تدليس وتزوير لمقتضيات القانون.
ماذا يعني تشبث الحكومة المغربية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، ومحاولة فرضه على الشعب المغربي؟
الجواب ليس له احتمالت، وهو بالتأكيد يكمن خلف أولويات ومصالح خاصة أصبحت مكشوفة للعيان.