بقلم: د. عادل بن حمزة
خلد المغاربة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء التي مثلت حدثا بارزاً وفاصلا في موضوع تصفية الاستعمار في الصحراء المغربية، ومنذ ذلك التاريخ تشكل الذكرى لحظة وطنية للتأمل في المسار الطويل الذي قطعه المغرب لإثبات شرعية سيادته على أقاليمه الجنوبية، فخلال خمسة عقود الأخيرة كان المغرب يواجه مشاريع تفتيت وحدته الترابية بكثير من الصبر والحزم والوضوح، سواء في علاقته بالأمم المتحدة أو بالدول الكبرى بل حتى بجارته الشرقية التي تحتضن جبهة البوليساريو الانفصالية على أراضيها وتؤمن لها الدعم المالي والعسكري والسياسي والدبلوماسي.
حدث المسيرة الخضراء يتجاوز كونه ذكرى وطنية يتم الاحتفال بها سنويا إلى ما هو أوسع من ذلك، بحيث يمثل صفحة مهمة في تاريخ المغرب المعاصر، لأنه ارتبط بموضوع تصفية الاستعمار واستعادة جزء أساسي من التراب الوطني الذي مزقته القوى الاستعمارية منذ اتفاقات الجزيرة الخضراء سنة 1906، فالمغرب الذي كان يمثل إمبراطورية مترامية الأطراف في شمال وغرب إفريقيا والأندلس على امتداد الأسر التي حكمت المغرب، اقتطعت منه القوى الاستعمارية المختلفة أجزاء واسعة لخدمة المشروع الاستعماري القائم على استغلال الموارد الطبيعية في المنطقة إضافة إلى استثمار موقعها الجيوستراتيجي.
خطاب العاهل المغربي لهذه السنة جاء مثقلا بالرسائل خاصة في اتجاه الأمم المتحدة والجزائر، يظهر ذلك بوضوح من خلال مايلي:
أولا – الشرعية الشعبية
المسألة الأولى التي أشار لها الملك محمد السادس هي تشبث ساكنة الصحراء بمغربيتهم ومقدساتهم الوطنية ضدا على كل المؤامرات والدعايات التي تستهدفهم منذ أزيد من خمسين سنة، هذا الارتباط والتشبث يقوم أساسا على البيعة المستمرة عبر التاريخ مع ملوك المغرب، يضاف إلى ذلك ما أظهرته ساكنة الصحراء من إقبال على المنافسة الديمقراطية في الانتخابات الدورية التي عرفتها المنطقة منذ عودتها إلى الوطن الأم والتي تميزت على الدوام بنسب المشاركة العالية والقياسية بما يتجاوز كل المناطق المغربية الأخرى.
ثانيا: تنمية الأقاليم الصحراوية
المسألة الثانية التي أكد عليها العاهل المغربي هي ما يقوم به المغرب من جهود نهضوية وتنموية في الأقاليم الصحراوية التي تنعم بالأمن والإستقرار عكس الدعاية الانفصالية التي تتحدث عن الحرب والمواجهات العسكرية، الإهتمام بالمنطقة يجسده المغرب على الأرض من خلال برنامج تنمية الأقاليم الصحراوية والذي تصل قيمته إلى 77 مليار درهم، إذ أكد الملك محمد السادس في مناسبات سابقة على استمرار مشاريع التنمية في الصحراء، مع تثمين الواجهة الأطلسية من خلال التجهيزات اللوجيستيكية والمينائية، الاقتصاد البحري، السياحة البحرية مع استثمار كل الفرص الاقتصادية في المنطقة سواء بالنسبة للرأسمال الوطني أم الأجنبي.
ثالثا – الدعم الدولي للسردية المغربية
يتجلى ذلك بوضوح في سلسلة المواقف الدولية التي صدرت في السنوات الأخيرة والتي تعلن بكل شفافية ووضوح الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على الصحراء وفي صلبه دعم مبادرة الحكم الذاتي حيث أن قرابة 85 بالمائة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تدعم المغرب، منها عضوي مجلس الأمن الدائمين، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، حوالي 20 دولة من مجموع 27 دولة في الإتحاد الأوربي بما في ذلك إسبانيا المستعمر السابق للمنطقة وألمانيا.
رابعا – الخصوم يعيشون في عالم منفصل عن الواقع
في هذا الإطار أثار الملك محمد السادس التناقضات التي يعيش فيها خصوم المغرب، مع تسليط الضوء على جوانب ذات أبعاد تاريخية ظل مسكوتا عنها، وكذلك توظيف البعض قضية الصحراء للتغطية عن الأوضاع الداخلية (…).
في زاوية التناقضات أشار إلى أن هناك من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه منذ الإقرار بفشل مسلسل التسوية في بداية التسعينات من القرن الماضي، واستحالة تطبيقه، لكن ذات الطرف الذي أفشل مسلسل تحديد هوية من يحق لهم التصويت في الاستفتاء، يرفض مجرد السماح بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف الذين يقدمهم كلاجئين دون تمكينهم من الحد الأدنى من حقوقهم التي تحددها الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وبدلا عن ذلك يقول العاهل المغربي”يأخذهم كرهائن، في ظروف يرثى لها، من الذل والإهانة، والحرمان من أبسط الحقوق” .
وفي ما يتعلق بالمسكوت عنه، قال الملك محمد السادس بشكل واضح، أن “هناك من يستغل قضية الصحراء، للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي”، ويعلم الجميع أن هذا حلم رواد حكام الجارة الشرقية منذ عقود، بل إنه كان من مشمولات اتفاقية الحدود بين البلدين ومنها ما هو مضمن في ملحق اتفاقية الاستغلال المشترك للحديد الموجود في غارة جبيلات وتصديره عبر المحيط الأطلسي، العاهل المغربي قال :” نحن لا نرفض ذلك؛ والمغرب كما يعرف الجميع، اقترح مبادرة دولية، لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة”، بمعنى أن المغرب منفتح بعمق استراتيجي أكبر من حدوده الشرقية، وأن المصالح الاقتصادية المشتركة يمكن أن تكون بديلا عن التسويات السياسية التاريخية الشجاعة…
يتبع..