الأستاذ إدريس رحاوي
في مشهد يعكس قوة الدبلوماسية وحكمة المواقف السياسية، تتجلى العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي في أبهى صورها، حيث استطاعت الدبلوماسية المغربية مرة أخرى أن تواجه قرارات قضائية غير منصفة، وتثبت مكانة المغرب كشريك استراتيجي لا يمكن التفريط فيه، حتى في ظل الضغوط القضائية.
قرار محكمة العدل الأوروبية الأخير بشأن اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي جاء ليحرك المياه الراكدة في الساحة السياسية والدبلوماسية، لكن الدبلوماسية المغربية، وبالتعاون مع حلفائها في أوروبا، استطاعت أن تلجم طيش هذا القرار وتعيده إلى مساره الصحيح. ففي ظل التشابك المعقد بين السياسة والقانون، كان لا بد من رد دبلوماسي حكيم يحافظ على مصالح المغرب ويؤكد على مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين”.
بعد صدور قرار محكمة العدل الأوروبية، لم تتأخر فرنسا في إبداء موقفها الصريح والواضح. فقد جددت الخارجية الفرنسية تأكيدها على الشراكة الاستثنائية التي تربطها بالمغرب، معتبرة أن هذه الشراكة تتجاوز أي قرارات مؤقتة أو ضغوط سياسية. هذا الموقف الفرنسي يؤكد عمق العلاقات الثنائية بين الرباط وباريس، ويدلل على أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين متجذرة في التعاون والاحترام المتبادل، وأنه لا مجال للتراجع عنها بسبب قرار قضائي قد يتغير مع الوقت.
في السياق نفسه، كان لوزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس موقف واضح من القرار القضائي، حيث شدد على أهمية الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. إسبانيا، التي تربطها بالمغرب علاقات اقتصادية وتجارية عميقة، تدرك تماماً أن هذه الشراكة تتجاوز المصالح المؤقتة وتقوم على أساس التعاون المستدام. الدفاع الإسباني عن هذه الشراكة يعكس الأهمية القصوى التي توليها مدريد لاستقرار علاقاتها مع الرباط، خاصة في مجالات حيوية كالصيد البحري والفلاحة، وهي مجالات لا يمكن التضحية بها بسبب خلافات قضائية.
رد الاتحاد الأوروبي لم يكن أقل وضوحاً، حيث أكدت كل من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والممثل الأعلى للسياسة الخارجية جوزيب بوريل على التزام الاتحاد الأوروبي بتعزيز علاقاته مع المغرب. هذا التوجه يعكس وعياً أوروبياً بأهمية العلاقات المغربية الأوروبية التي بنيت على مدار سنوات طويلة من التعاون والتفاهم. وأكد المسؤولون الأوروبيون أن احترام مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين” هو أساس العلاقات بين الأطراف، وأن أي قرار قضائي لا يمكن أن يهدم ما تم بناؤه من شراكات قوية وراسخة.
إن هذه المواقف الدولية، سواء من فرنسا أو إسبانيا أو الاتحاد الأوروبي، تدل على أن الدبلوماسية المغربية قد نجحت في احتواء الموقف وتوجيهه نحو مصلحة البلاد. فالمغرب، بفضل سياسته الخارجية الرصينة والمبنية على التعاون والتفاهم، استطاع أن يحافظ على علاقاته القوية مع شركائه الأوروبيين، بالرغم من محاولات البعض التشويش على هذه العلاقات من خلال قرارات قضائية مسيسة وغير نزيهة.
يظهر لنا أن الدبلوماسية الفعالة قادرة على لجم أي طيش أو انحراف قد يأتي من قرارات قضائية غير عادلة. العلاقات الدولية تُبنى على الثقة المتبادلة والتعاون الطويل الأمد، وليس على نزوات قرارات مؤقتة. المغرب، بفضل قيادته الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ودبلوماسيته الفعالة، يظل شريكاً قوياً واستراتيجياً لأوروبا، وهو ما أكدته مواقف القوى الأوروبية الكبرى بعد صدور قرار محكمة العدل الأوروبية.