دكتور عادل بنحمزة
بتعليمات من الملك محمد السادس، اجتمع الخميس الماضي الجنرال دو ديفيزيون محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية قائد المنطقة الجنوبية، بمقر القيادة العامة للمنطقة الجنوبية بأكادير، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثة “مينورسو” ألكسندر إيفانكو، مرفوقاً بالجنرال فخرول أحسان، قائد قوات “مينورسو”.
هذا الاجتماع يأتي من جهة، في ظل ما تعرفه العلاقة بين المغرب والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لقضية الصحراء المغربية السيد ستيفان دي ميستورا من توتر على خلفية زيارته إلى بريتوريا، ومن جهة أخرى في ظل ما تعرفه الصحراء المغربية من دينامية اقتصادية تجاوزت البعد الوطني الداخلي المغربي لتقدم حلولاً استراتيجية تاريخية لمنطقة الساحل والصحراء، من خلال المقترح الذي تقدم به الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى 48 لـ”المسيرة الخضراء”، وهو ما عرف تجاوباً كبيراً من طرف دول الساحل تمثل في الاجتماع الوزاري رفيع المستوى الذي احتضنته مراكش نهاية سنة 2023 وحضره ممثلو كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد.
هذا الوضع بات يفرض على المغرب -مدعوماً بأصدقائه على المستوى الدولي- اتخاذ بعض القرارات والمبادرات التي تتماشى مع الوضع الجديد للنزاع المفتعل في الصحراء، خاصة أمام الاعتراف الدولي الواسع والوازن بـ”مغربية الصحراء”، مثل ما أعاد التأكيد عليه رئيس الحكومة الاسبانية بيدرو سانشيز، يوم الأربعاء بالرباط، لذلك فالمغرب بحاجة على الأقل إلى اتخاذ ست خطوات رئيسية من داخل الأمم المتحدة من أجل وضع جديد لقضيته الوطنية الرئيسية، وهي:
الخطوة الأولى: ضرورة رفع اللبس القائم بخصوص وضعية المنطقة العازلة ومحاولة جبهة “البوليساريو” استثمار الغموض الذي يلف عدداً من بنود الاتفاقية العسكرية رقم واحد، والتي هي من مشمولات اتفاقية وقف إطلاق النار سنة 1991، وكانت موضوع مراجعة سنة 1997/1998، حيث تقسم هذه الاتفاقية العسكرية وملحقاتها الصحراء إلى خمس مناطق:
- منطقة عازلة عرضها 5 كيلومترات شرق الجدار الرملي للقوات المسلحة الملكية.
- منطقتان مقيدتا الولوج (25 كيلومترا شرق الجدار الرملي و30 كيلومترا غربه، على التوالي).
- منطقتان خاضعتان لقيود محدودة، تشملان ما تبقى من أراضي الصحراء.
وتشغل المنطقة حوالي 20% من المساحة الإجمالية للصحراء، وتوجد في مجملها بين المغرب وموريتانيا. وقد عرفت منذ سنوات خروقات من قبل الانفصاليين، سواء في منطقة تيفاريتي أم بئر لحلو أم في الكركرات أم الكويرة في مرحلة سابقة، فالجبهة الانفصالية تحاول توظيف حضورها في المنطقة العازلة بشكل دعائي، بل إنها -والإعلام الذي يدور في فلكها- تعتبرها “مناطق محررة”، وبلغ الأمر حد تشييد بعض البنايات واستقدام الوفود الأجنبية لحضور مناسبات يتم تنظيمها في المنطقة. ولعل ما صعد من التوتر بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون، هو قبول هذا الأخير حضور أحد الأنشطة الدعائية لجبهة “البوليساريو” بمنطقة بئر لحلو، وهو ما وضع بان في موقف حرج، لأن مهامه كأمين عام للأمم المتحدة، تفرض عليه التقيد بالإطار القانوني للمناطق العازلة، لا أن يساهم في خرقها.
لكن في السنة الأخيرة تجاوز الأمر الجانب الدعائي المدني إلى الجانب المسلح أمام عجز كلي لقوات الـ”مينورسو”، وهو ما يستدعي مراجعة وضعية المنطقة العازلة؛ وإن اقتضى الأمر إلغاءها كليا، خاصة وأن جبهة “البوليساريو” أعلنت منذ أزيد من سنتين عن عودتها لما تسميه “الكفاح” المسلح وإسقاط مخطط التسوية بصفة نهائية. وحيث أن إحداث المنطقة العازلة ارتبط أساساً بمخطط التسوية، فإن استمرارها اليوم بنفس وضعية السنوات السابقة يستدعي المراجعة.
الخطوة الثانية: وضع حد للتعسف الجاري منذ 1988 على ميثاق الأمم المتحدة، خاصة فصله الرابع الذي يحدد اختصاصات الجمعية العامة للأمم المتحدة. إذ أن الفقرة الأولى من المادة 12 تمنع على الجمعية العامة بحث وإصدار قرارات في قضايا يعالجها مجلس الأمن، والحال أن الجمعية العامة من خلال “لجنة تصفية الاستعمار” لازالت تناقش قضية الصحراء المغربية، بينما قد تولاها مجلس الأمن منذ 1988. هذا التناقض يجب أن يوضع له حد بصورة مستعجلة، والولايات المتحدة الأميركية قادرة على القيام بذلك، خاصة أن الأمر لا يتعدى فرض احترام ميثاق الأمم المتحدة.
الخطوة الثالثة: توضيح أمر أساسي من داخل الأمم المتحدة، وهو أن النزاع في الصحراء لا يتعلق اليوم بتصفية الاستعمار الذي وضعه المغرب كصاحب حق منذ 1963 في اللجنة الرابعة، وذلك لأن تصفية الاستعمار تمت فعليا بين سنة 1969 (عندما استرجع المغرب سيدي إفني) وسنة 1975 عندما استرجع الصحراء، عبر مفاوضات بين المغرب وإسبانيا كانت موضوع قرار الجمعية العامة رقم 2072 الصادر في 16 كانون الأول (ديسمبر) 1965.
الخطوة الرابعة: وضعية المحتجزين المغاربة في مخيمات تيندوف، بحيث يجب العمل على تمكين هؤلاء اللاجئين الذين تقع مسؤولية حمايتهم على الدولة الجزائرية، من حقوقهم وفقا لاتفاقية جنيف ذات الصلة، وتمييز السكان المدنيين عن أفراد المليشيات المسلحة، وتمكينهم من أهم الحقوق وهو الاختيار بين العودة إلى المغرب، أو البقاء في الجزائر أو التوجه إلى بلد ثالث… لكن لا يمكن أن تستمر معاناة المحتجزين في المخيمات، ومع ذلك يستمر الحديث التسوية وفزاعة تقرير المصير.
الخطوة الخامسةعطفا على النقطة السابقة، المغرب يجب أن يطرح موضوع تسمية واختصاصات الـ”مينورسو” في الصحراء المغربية، وعلى هذا المستوى أعتقد أن المغرب يجب أن يكون حاسما، إذ لا يعقل أن مجلس الأمن قطع أية إمكانية لتنظيم الاستفتاء -وذلك منذ 2007 عبر دعوته الأطراف الرئيسية للحوار على أرضية الحكم الذاتي، وفي نفس الوقت يقبل باستمرار حمل بعثته في الصحراء تسمية “بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية”، علماً أن خطة التسوية انتهت إلى غير رجعة.
الخطوة السادسة: حسم موضوع تمثيلية جبهة “البوليساريو” للصحراويين، فالجبهة لا تمثل سوى طيف صغير داخل الصحراء، وأن هناك تيارات سياسية متعددة لها مطالب لا يتجاوز سقفها الحكم الذاتي، وهي منخرطة اليوم في تنفيذ المخطط التنموي الجديد للأقاليم الصحراوية، والذي تتجاوز قيمته 77 مليار درهم مغربي. وإذا كان الأمر يحتاج إلى تذكير، فيمكن التذكير بعدد الأحزاب والتيارات في الصحراء التي قبلت حل نفسها والانخراط ضمن الوطن الواحد.
كما يجب التوقف هنا عند أمر هام يتعلق بمضمون قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2072 سنة 1965، والذي ناشد إسبانيا إطلاق مشاورات ومفاوضات من أجل إنهاء مشكلة السيادة في كل من سيدي إفني والصحراء المغربية… وهنا يطرح سؤال منطقي، مع من جرت المفاوضات؟ هل مع المغرب أم مع جبهة “البوليساريو” التي لم يتم إحداثها إلا سنة 1973؟
هذه الخطوات يمكن للمغرب أن يجعل منها مدخلا لإعادة النظر في تعاطي الأمم المتحدة مع قضيته الوطنية. فهل يقدم على ذلك؟