بقلم : الصحافي أمين بوشعيب/إيطاليا
أثناء زيارته “التضامنية” إلى تل أبيب، بعد طوفان الأقصى، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال استقباله الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ: “إن إسرائيل، لو لم تكن في الوجود لعملنا على إقامتها وسنستمر في دعمها، لأنه يجب أن تعود مكانا آمنا لليهود” وأضاف بايدن أن عملية حركة المقاومة الفلسطينية (يقصد طوفان الأقصى) قد تركت جرحا غائرا لدى الإسرائيليين، مشبها العملية بأنها تعد خمسة عشر ضعفا لهجمات 11 سبتمبر/أيلول التي تعرضت لها أمريكا سنة 2001.
إلى ذلك أكد وزير الدفاع الأمريكي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإسرائيلي، التزام الولايات المتحدة بدعم إسرائيل، كما أكد التزام بلاده بتسريع إرسال قدرات الدفاع الجوي والذخائر والمعدات والموارد إضافية التي تطلبها إسرائيل في أسرع وقت.
لماذا كل هذا …؟
أميركا لا تخفي هدفها من حماية وجود إسرائيل في الشرق الأوسط، لأن في ذلك كما يقول المسؤولون الأمريكيون حماية لمصالحهم في المنطقة، إذ يؤكدون في أكثر من خطاب دعم الولايات المتحدة الصارم وغير المشروط لتل أبيب. إلا إن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أرجع موقف بلاده هذا إلى “القيم والدوافع والمبادئ المشتركة” بين البلدين، لكنه ربط بشكل لافت بين التزامه تجاه إسرائيل “والقيم المسيحية” التي حملها عن والده، مشيراً بذلك إلى العلاقة البنيوية بين المسيحية الإنجيلية الأصولية، أو المسيحية الصهيونية كما تُسمى اصطلاحاً، وقيام إسرائيل.
إن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بإسرائيل ليست وليدة اليوم، ولكنها تعود إلى سنة 1948 عند تأسيس دولة إسرائيل، حيث كانت الولايات المتحدة من أول الدول المعترفة بإسرائيل، والعلاقة بين البلدين هي الأفضل على مر كلّ السنوات، حيث قامت الولايات المتحدة بدعم إسرائيل في العدوان الثلاثي في سنة 1956 و حرب 1967 وحرب أكتوبر، وقد قامت الولايات المتحدة بدعم إسرائيل بالمال والسلاح أثناء حروبها ضد الدول العربية، والولايات المتحدة تؤيد معظم خطوات إسرائيل، وهي معها أيضا في معاداتها للمشروع النووي الإيراني.
لكن ونحن نتحدّث عن هذه العلاقة، لا بد من الإشارة إلى مسألة مهمة قد تفيدنا في الموضوع، ألا وهي التشابه الكبير بينهما في النشأة. فمن الحقائق التي لا جدال فيها أن الأوروبيين قد نفذوا حملات إبادة ضد السكان الأصليين (الهنود الحمر) وعملوا على تدمير مزارعهم، وطمس هوياتهم، واقتلاعهم من جذورهم، وتهجيرهم من المناطق الخصبة التي تتوفر على موارد طبيعية إلى مناطق قاحلة لا تصلح للعيش. ومن أجل تبرير مجازرهم أصدروا كتبا عن الهنود الحمر تصفهم بأنهم “وحوش لا تعقل ويأكلون زوجاتهم وأبناءهم”. حيث لعبت هذه النظرة الاستعلائية والاستعمارية دورا مهما في تبرير إبادة همجية ارتُكبت ضد سكان الأرض التي سميت لاحقا “الولايات المتحدة الأميركية”
هذا حدث فيما بين القرنين 16 و18، لتأتي إسرائيل في القرن 20 لتكرر نفس السيناريو الذي فعله المهاجرون الأوروبيون في قارة أمريكا، وذلك من خلال الاستيلاء على الأرض، وإبادة سكانها الأصليين وتهجيرهم قسرا، واستقدام اليهود من أوربا ليكوّنوا دولتهم على أرض فلسطين على مسمع ومرأى من العالم أجمع، وبمساعدة دول الاستعمار المهيمنة على المنطقة في ذلك الوقت. لذلك نجد أن تاريخ أمريكا وإسرائيل مليء بالحروب ففي كل عشر سنوات أو نحو ذلك، تدخلان في صراع، الهدف الأبرز منه هو الهيمنة والاحتفاظ بها، بتسخير تفوقهما العسكري والاستخباراتي والاقتصادي والتكنولوجي، لتحقيق ذلك.
في عام 1945، خرجت الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية قوية، لتكون أول دولة تمتلك أسلحة نووية، وبعد ذلك أصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي. وهو ما جعلها تتدخل بشكل سافر في حياة الشعوب الأخرى بدعوى تعليمهم مبادئ وقواعد الحرية والديمقراطية، ومن ثم نصّبت أمريكا نفسها دركيا للعالم، من خلال الوثيقة التي أصدرها البيت الأبيض في 20 سبتمبر 2002 بعنوان (الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي) وأعلنت فيها أنها هي وحدها المسؤولة عن أمن العالم وحماية إسرائيل من الزوال.
ولما اندلع طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر من سنة 2023، انخرطت أمريكا بكل ما لديها من قوة كي لا يبلغ الطوفان مداه، لأنها تعلم جيدا ما يمثله من تهديد خطير لمصالحها العليا وهيمنتها على العالم. لذلك يرى بعض المحللين أن الولايات المتحدة الأمريكية “منذ غزو العراق سنة 2003 لم تنخرط بهذه الخشونة أو تستعرض عضلاتها العسكرية في المنطقة كما تنخرط الآن في الحرب على غزة” فواشنطن أكثر الأطراف فهما للمغزى الاستراتيجي لطوفان الأقصى، وأنها قد تتحول -لو اكتمل، وسيكتمل بإذن الله- إلى خطوة جبارة من شأنها فك قبضة واشنطن المُطبقة على المنطقة لصالح المحور الصيني الروسي الإيراني.
فطوفان الأقصى، “خطورته ليست على إسرائيل وحدها، وإنما على النظام الغربي الإمبريالي، وعلينا أن ندرك أن هذا الطوفان قد فتح الأبواب لتحول عالمي جديد. وبذلك فهو ضربة موجعة في صلب النظام الغربي الإمبريالي، ولا نستغرب أن تنزل أمريكا بثقلها للقضاء على المقاومة الفلسطينية، لأنها تدرك أن عدم القضاء عليها يعني أن معركة مصيرية خسرتها إسرائيل لأول مرة منذ قيامها، وأن السكوت عنها قد يفضي إلى تشكّل نظام عالمي جديد لا تهيمن عليه أمريكا”
فلاش: هل يمكن اعتبار طوفان الأقصى إيذانا بنهاية الإمبراطورية الأمريكية؟
يرى عبد الرحمن بن خلدون أن للدول أعماراً طبيعية كما للأشخاص، والأكيد أن أمريكا تدرك أن كل الإمبراطوريات يبدأ صعودها من الهيمنة على الشرق المليء بالثروات، الماسك بشرايين التجارة العالمية. وتدرك أيضا أنه من هذه المنطقة كذلك تبدأ رحلة انهيار الإمبراطوريات. لذلك فهي أشد ما تكون حرصا على بقاء إسرائيل وتفوقها، لأن في زوالها انهيار لها.
وأما المفكر المصري عبد الحليم قنديل فيرى أن سمعة الولايات المتحدة في خارج حدودها، وهو ما كان يعزز تضامنها الداخلي، لكن انحطاط وتراجع هذه السمعة سوف يزيد من إمكانية تفككها الداخلي. فهل يمكن اعتبار تمرد ولاية تكساس هو بداية تفكك الولايات المتحدة الأميركية ومن تم اضمحلال وانفراط قوتها؟ نتمنى ذلك من كل قلوبنا، لأنها في اعتقادي تعتبر أكبر مخرب للسلام العالمي، وبنهايتها وزوال إسرائيل ستنتهي كل الحروب من العالم!