
الصحافي أمين بوشعيب / إيطاليا

وجّه حزب العدالة والتنمية المغربي، الدعوة للناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية « حماس »، فوزي برهوم ليكون ضمن ضيوف مؤتمره المزمع افتتاحه يوم السبت 26 أبريل المقبل في مدينة بوزنيقة. حيث كشف رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية، أن فوزي برهوم سيكون رفقة شخص آخر من حركة حماس، لم يذكر اسمه. وأشار أيضا إلى حضور شخصيات أخرى من تونس وموريتانيا وسوريا وغيرها.
يظن حزب العدالة والتنمية، أنه بمثل هذه الدعوة وغيرها كالمشاركة في مسيرة رسمية تضامنا مع غزة، أو بعض التصريحات المختبئة وراء خطاب طاعة أولي الأمر، أنه سيمحو الخطيئة التي ارتكبها، عن وعي ورضى تام، أمينه العام آنذاك الدكتور سعد الدين العثماني، بتوقيعه ممثلًا للدولة المغربية وبصفته رئيسا للحكومة، اتفاق التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
هذا المشهد (العثماني وهو يوقع اتفاق العار) والذي تابعه الشعب المغربي عبر وسائل الإعلام العمومية، حمل من الرمزية ما يكفي لوصف التحول الكبير في موقف سياسي كان، حتى وقت قريب، يُقدَّم للمغاربة كخط أحمر. مشهد أعاد إلى الأذهان أسئلة جوهرية: كيف تم الانتقال من خطاب الرفض إلى توقيع الاتفاق؟ وهل يمكن حقًا لمكاسب سياسية أو اقتصادية أن تبرر هذا الانحدار الأخلاقي؟
عندما سُئل العثماني، على توقيعه للاتفاق المشؤوم، ردّ بأن ذلك “قرار دولة جاء في سياق ظروف خاصة، وبأن الحزب لا يتحمل المسؤولية الكاملة. وهو الموقف الذي شاركه فيه بنكيران، الذي دافع عن زميله مشيراً إلى أن القرارات السيادية، مثل استئناف العلاقات مع إسرائيل، تُتخذ من قبل المؤسسة الملكية وليس من قبل الحكومة وحدها.
لكن الشعب المغربي، الذي كان دائماً في طليعة المدافعين عن فلسطين، لم يقتنع بهذه التبريرات، واعتبر أن توقيع اتفاقية التطبيع خيانة لثقته وللأصوات التي أوصلت الحزب إلى الحكم، حيث يرى المغاربة أن القضية الفلسطينية ليست مجالاً للمساومة السياسية أو للتنازل تحت أي ظرف. الشعب المغربي يرفض رفضا قاطعا كل أشكال التطبيع أيا كان مصدرها، وأيا كانت الأيادي الآثمة التي اقترفتها، ويرفض كل الاتفاقيات والتفاهمات المنبثقة عنها، لأنها لا تلزمه في شيء، ولا يمكن لأحد مهما كان أن يلزم الشعب المغربي بتغيير موقفه من إسرائيل باعتبارها العدو الأول، أومن فلسطين باعتبارها الأرض الطاهرة المقدسة التي يعشقها إلى حد الجنون.
“إن التطبيع -كما يقول السيد أحمد ويحمان رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع- خيانة …وهذا قرار الشعب المغربي الذي بُحت حناجره في المسيرات والوقفات. ومن أقدم عليه يتحمل مسؤوليته كاملة. وفي هذا السياق، فإن سعد الدين العثماني، الذي وقع اتفاقية العار مع كيان الاحتلال والإبادة الجماعية، هو مسؤول عن هذه الجريمة السياسية. ومسؤولية حزب العدالة والتنمية قائمة في مستوى ضرورة الإعلان صراحةً التبرّؤ من هذا التوقيع ومن صاحب هذا التوقيع، ما لم يقدم نقدا ذاتيا عن ذلك، واتخاذ موقف أكثر وضوحا بحسم أمره: إما أن يكون، كما كان دوما، في صف مناهضة التطبيع، وإلا فعليه أن يتحمل تبعات موقفه المتردد أمام التاريخ”
إلى غاية كتابة هذه السطور، ورغم الإبادة الوحشية التي يتعرض لها أهلنا في غزة، لا يزال الحزب مترددا في إصدار بيان رسمي يعتذر فيه للشعب المغربي، ويتبرّأ فيه من التطبيع، وهو ما يطرح عدة علامات استفهام، حول موقف الحزب مستقبلا، فمن يضمن بأن الحزب إذا عاد للحكومة لن يلمس ورقة تطبيع، ولن يضع يده في يد مسؤول إسرائيلي، ولن تقترف يده إثم التوقيع على معاهدة مع الكيان الغاصب؟
لذلك أرى أن محطة المؤتمر المزمع افتتاحه يوم السبت 26 أبريل، يمكن أن تكون محطة تنظيمية بنفس نقدي، وفرصة سانحة لعموم مناضلي الحزب الصادقين للتخلص من عار التطبيع الذي لحق بالحزب، وذلك من خلال التخلص من كل الذين تورطوا في اقتراف هذه الجريمة وممن باركوها، ودافعوا عنها.
المطلوب من مناضلي ومناضلات الحزب في هذه المحطة تقييم موضوعي وشامل، وأساسا الوقوف عند اللحظة المتصلة بتدبير مسألة التطبيع مع العدو الإسرائيلي المجرم، من أجل إرساء خارطة طريق واسترتيجية عمل حديثة ومتطورة، تستند في مقوماتها الرئيسية ومرتكزاتها الأساسية على هوية الحزب ومرجعيته المبنية على نصرة القضية الفلسطينية، ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي، وعدم التفريط فيهما مهما كانت المبررات.
المطلوب اليوم إرجاع وهج الحزب وتقوية صفوفه ومكانته وتعزيز حضوره الايجابي ضمن المشهد السياسي، وتمكينه من لعب ادواره ووظائفه على أكمل وجه، في تدبير الشأن العام من موقع المعارضة البناءة، والانتصار لمطالب الشعب المغربي، واستعادة ثقته التي منحها للحزب في محطات انتخابية عديدة.
بيد أن بلوغ هذا الهدف المنشود، يتطلب منسوبا عاليا من الجرأة والشجاعة في صفوف مناضلي ومناضلات الحزب، ليتمكنوا من طرح القضايا الكبرى والاشكالات الصعبة، وإعادة النظر وبشكل جذري في جملة من الممارسات التي يقوم بها بعض قيادات الحزب. فهل سيكون شباب الحزب في مستوى اللحظة التاربخية؟ نتمنى ذلك
فلاش: عندما اقترف سعد الدين العثماني خطيئة التطبيع، كان لأحد قياديه الجرأة والشجاعة في الصدع بكلمة الحق، حيث وجه رسالة مباشرة لقادة الحزب قال فيها: “واجهوا الناس، اشرحوا لهم، اعتذروا لهم، لأن ذاكرة المغاربة ليست قصيرة، ولا تغتفر بسهولة. الناس سيتهمونكم بالمتاجرة، وستُكذَّبون وإن كنتم صادقين، لأنكم فقدتم رأس المال الأهم: الثقة.” هذا القيادي هو الأستاذ الكبير المقرئ أبو زيد الإدريسي، الذي لا يزال يحظى باحترام الشعب المغربي وتقديره. فهل ستكون رسالته حاضرة خلال المؤتمر؟