أمين بوشعيب/ إيطاليا
من الأقوال الشهيرة المأثورة عن الملك الحسن الثاني رحمه الله قوله: “لو لم تكن عندي معارضة لأوجدتها”. وهو هنا لا يقصد أية معارضة، ولكن يشير إلى المعارضة السياسية القوية والحقيقية. الحسن الثاني يدرك تمام الإدراك أن المعارضة سنة ساريةٌ في مجال ممارسة الحكم والسلطة، فهي قانون اجتماعي لا يتخلف، أما إذا لم تكن هناك معارضة، فهذا مخالف لسنة الله في خلقه، ومخالف لطبائع العمران، حسب المفكر الكبير عبد الرحمن بن خلدون.
مناسبة القول، هو ما نراه اليوم مع حكومة عزيز أخنوش، التي تسير بشكل حثيث إلى قتل السياسة، ووأد المعارضة، وخنق كل صوت يغرد خارج سربها. لكن ماذا بعد القضاء على المعارضة، وقتل السياسة؟
من نافلة القول إن قتل السياسة يبدأ بخرق الدستور، وتعطيل المؤسسات الدستورية، لأن الدستور هو القانون الذي يحرس السياسة، وهو الذي يحرس حقوق المواطنين، ويجعل للمواطن حماية من كل طغيان وتجبر الحكومات، ومن ثمّ يسود الفساد في عالم اللاسياسة.
ذلك أن هناك من السياسيين من يتخذ السياسة وسيلة خداع وتضليل، شعارهم في ذلك “السياسة كذب” وغايتهم ليست هي تحقيق مصالح الوطن وضمان رفاهية المواطن، ولكن غايتهم مصالح ذاتية محضة، وأخرى تتعلّق بهوس السلطة وجاذبيّة المناصب، وما يجعل كل هذا ممكنا في نظرهم، هو عدم الالتزام بالدستور، والانقلاب على كل الوعود التي قدموها خلال حملاتهم الانتخابية.
منذ أن تمّ تنصيب الملياردير عزيز أخنوش رئيسا للحكومة، وهمّه الأوحد هو القضاء على معارضيه، كي تخلو له الساحة السياسية، ليعيث فيها كيف يشاء، وأما المعارضة البرلمانية التي تتشكل من الأحزاب خارج التحالف الحكومي، فهي مشتتة كونها تضم أحزابا من اليمين واليسار؛ إسلامية وعلمانية، وطنية وإدارية، لذا سيصعب عليها القيام بأدوارها. وأما المعارضة غير الرسمية، والتي تتكون من الشارع ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فإنها ترزح تحت وسائل السيطرة، ليس بالمال والإشهار والتعويضات السخية فقط، بل أيضا عبر الترهيب، واستخدام القضاء لحجب الأصوات الرافضة للعزف على الوتر المردد لنغمة عزيز أخنوش.
وبهذا الصدد يرى عدّة مراقبين ” أن الوضع الذي يعيشه المغرب اليوم، في ظل حكومة عزيز أخنوش، غير مسبوق، ذلك أنه منذ عهد الملك الحسن الثاني لم يكن هناك ثلاثة صحفيين في السجن، بشكل متزامن، كما هو حال الراضي والريسوني وأيضا توفيق بوعشرين، مؤسس جريدة (أخبار اليوم) ذلك أن الخيط الناظم بين هؤلاء الصحفيين الثلاثة، أنهم على درجة عالية من الاستقلالية عن السلطة، ويملكون نزعات نقدية مؤثرة، جلعت لهم مكانة وتقديرا في الشارع المغربي، كما تميزوا بفضح الفساد وسوء الإدارة، ويدعون إلى تحقيق ديمقراطية حقيقية في البلاد”
أظهر استطلاع رأي أنجزه المركز المغربي للمواطنة، خلال الفترة الممتدة بين 20 أكتوبر/ تشرين الأول و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين، وجود حالة كبيرة من عدم الرضا على أداء حكومة أخنوش في عام 2022، وذلك فيما يخص تدبير الملفات الاجتماعية والاقتصادية. وبخصوص الشخصية العمومية الأكثر مساهمة في فقدان الثقة في العمل السياسي، جاء رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش في الصدارة.
يرى أحد الباحثين في الشأن السياسي أن “السياسة ضحية كل سلطة قاهرة، متجبرة؛ ضحية كل قهر يروم فرض رؤاه على الآخرين، وضحية كل فطرة تزعم أنها كذلك في أزمنة لم يعد فيها للفطرة ما يقيها من شرور وغدر التّجارب والخبرات التاريخية التي أمست أكثر انكشافاً ووضوحاً وشفافية” وتساءل في مقال له نشره على مقعه في الأنترنيت: “متى ننتهي من قتل السياسة، بل متى تتوقف السياسة عن قتلنا؟
ليجيب: ” سؤال ذو وجهين يتجادلان في اشتغالهما وفي موضوعات هذا الاشتغال، الأول يشير إلى سلبية التعاطي مع السلطة القامعة للحرية السياسية، وكونها العامل الأول الحاضّ على قتل السياسة، والثاني يؤشر إلى التلقي السلبي من جانب الناس، ومن جانب السلطة على حد سواء؛ السياسة لا يجيد التعاطي معا سوى الدولة -وليس أي دولة- فهي صانعة السياسة، بل صنيعتها، أما السلطة فهي القاتلة لها في الكثير من الأحيان، أو على الأقل العاملة أو العامدة إلى تغييبها طوعاً أو قسراً، ذلك أنها لا يمكن أن تتعايش ونقائض لها فوق أرض واحدة”
لقد آن الأوان للدولة المغربية أن تتدخل لتضع حدا لهذا العبث، حفاظا أولا على هيبتها ثم حفاظا على الدستور، فلابد من إفساح المجال للصادقين في حب الوطن، خصوصا الشباب منهم لضخ الدماء الجديدة في مفاصل الحياة السياسية التي يبدو أنها تكلّست بوجود زعماء أحزاب خالدين، ا ليس لهم القدرة على تحريك الناس والتأثير فيهم، ولا يعرفون كيف ينجحون في تعبئة الشعب حول قضايا وطنية عامة. لا بد من إعادة النظر في قانون الأحزاب، فالمجال السياسي في حاجة إلى أحزاب وطنية حقيقية، ديمقراطية ومستقلة، قادرة على تحقيق آمال الشعب المغربي في العدالة والكرامة والعيش الكريم.
لا أدّعي أنني بتناولي لموضوع موت السياسة، أنني طرقت بابا لم يطرقه أحد من قبلي، فقد تناوله كثير من الكتاب من قبلي، وأنا اليوم أعيد طرح هذا الموضوع، ليس هجوما على شخص بعينه، بقدر ما هو إجلاء للصورة، من باب التوضيح والإسهام في نقل الحقيقة ودق ناقوس الخطر بشأن الاستهداف الممنهج الذي يطول السياسة بل المجتمع برمته، ومن ثمّ البحث في تأمين مستقبل آمن للسياسة والعمل على إنقاذها، وحين يعمد رئيس الحكومة إلى قتل السياسة، وإخراس كل صوت يغرد خارج السرب، فعلينا أن نقرّ بأن حكومة أخنوش ماضية في تنفيذ ما جاءت به، وهو الإجهاز على ما بقي من نفَس سياسيّ في المشهد السياسي المغربي.
فلاش: في سنة 2018 صدر كتاب “كيف تموت الديمقراطيات”، لعالمي السياسة ستيفن ليفتسكي ودانييل زيبلات، هذا الكتاب الذي مرّ على نشره خمس سنوات تقريبا -كما جاء في مقدمة مترجمه- يمثِّل دعوة للتأمل والتفكير في مستقبل عالم تتهاوى فيه التجارب الديمقراطية، وكيف سيكون شكل العالم إذا انتفت آليات الحوار والتدبير العقلاني للخلافات السياسية بين الأفراد والجماعات والأحزاب.
وعلى الجملة فالكتاب عبارة عن مقاربة وصفية تاريخية وتحليلية، للحظات الأخيرة لسقوط الديمقراطية الأميركية وحالة الموت السريري الذي يتهددها منذ أن دخل دونالد ترامب المشهد السياسي الأميركي. رجل كما يقول الكاتبان” ليس له تاريخ سياسي ولا سابق تجربة أو دراية بالسياسة العامة، ومعلوماته متواضعة جدًّا عن الالتزامات الدستورية، وكل ما يفخر به هو أنه رجل أعمال ومضارب عقاري ثري تحركه نزوات واضحة لتقديس الفرد الأميركي الذي يمتلك الأموال الطائلة ويتصور أن بإمكانه شراء أي شيء بهذه الأموال، وأنه عبر نفوذه المالي الواسع تمكن من الوصول إلى قمة الهرم التنفيذي في أميركا وشرع في قتل الديمقراطية عبر الاستعانة بأدوات ديمقراطية”
أمين بوشعيب/ إيطاليا