بقلم : ذ. أمين بوشعيب/إيطاليا
بعيدا عن الدمار والقتل الذي أحدثه جيش الاحتلال الصهيوني بالأسلحة الأمريكية على أرض فلسطين، تعالوا ننظر إلى الصورة من الجهة الأخرى، وهي صورة رائعة ومتألقة، مزينة بمشاهد عالية في الأخلاق والتعامل الحسن مع العدو.
المشهد الأول: وكان ذلك خلال الاشتباكات التي خاضها مجاهدو القسام ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، تحفّظ المجاهدون على امرأة إسرائيلية مع طفليها، ثم بعد انتهاء الاشتباكات أطلقوا سراحها بشكل طوعي. وقد ظهرت المرأة، في المشهد الذي بثته وسائل الإعلام المرئية، وهي تحمل طفلا وتمشي نحو الآخر الذي كان ينتظرها، فتأخذه وتجتاز مع طفليها السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، فيما اكتفى ثلاثة من مجاهدي القسام بمرافقتهم إلى حدود الحاجز ثم يعودون.
المشهد الثاني: وهو مشهد عملية تسليم الأسرى الإسرائيليين إلى الصليب الأحمر بغزة، حيث ظهر الأسرى يبادلون عناصر المقاومة الإسلامية الابتسامات والتلويح بالأيدي في إشارة وداع، حيث تزامن هذا المشهد مع بث بعض المحطات الإسرائيلية شهادات اعتراف من أقارب الأسرى الإسرائيليين بأن ذويهم الذين كانوا محتجزين: ” لم يتلقوا معاملة سيئة ولم يتعرضوا للتعذيب” أثناء أسرهم، وهو ما أكده الأسرى أنفسهم في لقاءات متلفزة بعد ذلك.
(المحللة السياسية الإسرائيلية مايا ليكر كتبت في صحيفة “هآرتس”: يجب علينا الاعتراف بأن: ” العديد من المؤثرين المؤيدين للفلسطينيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وأغلبهم من خارج إسرائيل وفلسطين، يجدون أن عمليات تسليم الرهائن كل ليلة هي استعراض علني يثلج صدر الإنسانية والأخلاق من قبل مقاتلي حماس)
المشهد الثالث: وهو عبارة عن فيديوهات مترجمة للغات كثيرة على مستوى العالم، تُظهر الفلسطينيين وهم يرددون “الحمد لله” ويحتسبون عند الله ما أصابهم من قتل وتشريد ودمار على أيدي جنود الاحتلال. هذه الكلمة “الحمد لله” كان لها سحر عجيب، ووقع كبير على مجموعة من المؤثرين الأجانب، حيث ظهروا على مواقع التواصل الاجتماعي في عشرات المقاطع القصيرة يردّدونها كدليل على اعتناقهم للدين الإسلامي، وذلك بعد أيام فقط من متابعة أحداث غزة، وبحثهم عن سر ترديد أهل غزة لهذه الكلمة التي تدلّ على الإيمان الراسخ بأن ما يحدث هو إرادة الله سبحانه وتعالى.
(إحدى المؤثرات الأمريكيات قالت: “مازال الفلسطينيون يرددون كلام النبي يعقوب ولكن بطريقة مختلفة، وحينما بحثت وجدت أنهم يقرأون القرآن، وهذا الكتاب يرسخ إيمانهم بكلام الله، هم شعب مؤمن حقا، الأمر الذي دفعني لشراء نسخة من القرآن وقرأته، وقد وجدت مفاجأة”. وأضافت: “تفاجأت وأنا أقرأ القرآن أن الغرب كذبوا علينا، وأن الفلسطينيين شعب مؤمن لذلك قررت أن أعتنق الإسلام لأنه دين سلام”)
مشهد آخر لا يقل إثارة وروعة: وهو صمود وتمسّك أهل غزة بأرضهم، إذ رغم القصف العشوائي، والمجازر الوحشية، التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، لإرغام سكان قطاع غزة بالنزوح عن أرضهم، يرفض أهالي غزة الخروج من مناطق سكناهم، ويصرون على البقاء فيها. ضاربين أروع مثال للشعب المتجذر في أرضه، المتمسك بحقه في العيش في وطنه، شعارهم: أن لا هجرة من أرض الأجداد والأسلاف.
كل هذا يقع وأهل غزة يواجهون مصيرهم لوحدهم بعد أن تكالب عليهم الأعداء، وتخلى عنهم الجميع، ولعل حكمة الله سبحانه وتعالى اقتضت أن يواجه الفلسطينيون الصهاينةَ المجرمين وحدهم؛ فيكون أملهم في الله وحده، ونصرهم لله وحده، فيكون نصر الله لهم }وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ { ولعل الله سبحانه وتعالى أراد كذلك ألّا يكون للمنافقين، وللمتخاذلين الذين يدّعون نصرة فلسطين رياء، ويتباكون عليها داخل الغرف، دور في النصر القادم بإذن الله، لأن “نصرة غزة شرف لا يُكتب لذليل أو متخاذل”
وعلى العموم، فهناك صور ومشاهد كثيرة، ودروس عميقة، قدمها الفلسطينيون في غزة، وجب استيعابها وتعلمها والاستفادة منها. فقد كان العالم على وشك الانهيار، حيث تدمير القيم والأخلاق، وفسح المجال لتشجيع العبث والتفاهة. فجاءت هذه المشاهد الحيّة الموشّاة بصمود أهل غزة، لتُحيي الناس من موات، وترفع من مستوى وعي الشعوب، وتفتح أعين العالم على عدالة القضية الفلسطينية. فها هي الشعوب الحرة بما فيها شعوب الدول الغربية، تخرج في مسيرات ضخمة في جلّ المدن والعواصم العالمية تضامنا مع فلسطين وشجبا لغطرسة الاحتلال وهمجيته، وها هم السياسيون والرياضيون والفنانون العالميون، يتضامنون مع غزة، ويطالبون بوقف الاعتداء على أهلها، بل إن بعض الدول قد اتخذت مواقف جريئة ضد الكيان الصهيوني ونددت بجرائمه ووحشيته، وطالبت بحق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال. وهذا كلّه، إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على انتصار المقاومة في الحرب الأخلاقية والإنسانية.
وبقدر ما حققت تلك المشاهد انتصارات عالية أخلاقيا وإنسانيا، بقدر ما تدحرج الغرب المساند للاحتلال الصهيوني إلى دركات سفلى، وتدحرجت كل ادّعاءاته حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواثيق الدولية. وبالقدر ذاته تدحرج الإعلام الغربي الذي تخلى عن الضمير المهني وشارك في قلب الحقائق، واعتماد الكذب وتضليل الرأي العام في نقل ما يجري في غزة.
فالمشاهد التي قدمتها المقاومة الفلسطينية أزاحت الغشاوة عن عيون العالم ليرى الحقيقة ناصعة، ويرى عورات المجتمع الصهيوني وجيشه الهمجي النازي الذي فاقت أفعاله وجرائمه جميع التصورات عن مدى الدناءة والوحشية التي قد ينحدر إليها الإنسان، وليرى نفاق الغرب وتواطؤه مع الظالم ضد المظلوم، ويرى كذلك تخاذل الأنظمة العربية التي تتغنى بالقضية في العلن، وتناصبها العداء في السرّ.
فلاش: في تحدّ سافر للضمير الجمعي للشعب المغربي، وصف ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي، ما يجري من دمار شامل، وإبادة للإنسان والحيوان والجماد في غزة، على يد الاحتلال الإسرائيلي يصفه بدم بارد بـ “المواجهات المسلحة”، وكأن الأمر يتعلق بحرب متناظرة، بين جيشين متساويين.
وعوض أن يدين هذه الجرائم الصهيونية الهمجية التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، نراه يكتفي بالتأكيد على أن المملكة المغربية ترفض العدوان الإسرائيلي. وقال:” موقفنا منذ اندلاع المواجهات المسلحة وارتفاع وتيرة العنف واستهداف المدنيين في غزة، هو رفض العدوان الإسرائيلي”.
لا أدري من يقصد بهذه ال “نا” الدالة على الجمع في قوله “موقفنا”؟! فإن كان يقصد الحكومة والشعب المغربي، فالمغاربة بُرآء من هذا الموقف المتخاذل الذي أعلن عنه. ذلك أن آلاف المغاربة قد خرجوا – ولا يزالون – في عشرات المظاهرات في جل المدن المغربية، من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، للتضامن مع أشقائهم وأهليهم الفلسطينيين في غزة، وفي عموم أرض فلسطين. وأما إن كان يقصد الحكومة التي ينتمي إليها، فما عليه وحكومته إلا أن يقدّموا استقالاتهم، لأن الشعب المغربي يرفض رفضا قاطعا التطبيع مع العدو الصهيوني ويطالب بإسقاطه.
على هذا الوزير أن يخجل من نفسه، وهو يرى جنوب أفريقيا، تتقدم بطلب إلى محكمة العدل الدولية لرفع دعوى ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة. وهي الدولة التي استطاعت أن تكسر حاجز الخوف في مواجهة عنصرية الاحتلال الصهيوني وداعميه من دول الغرب بقيادة أمريكا عدوة الشعوب. فكل الشكر والتقدير لجنوب إفريقيا، والخزي والعار لكل مُطبّع جبان.