أمين بوشعيب/ إيطاليا
لا حديث في المغرب إلا عن الغلاء الفاحش، الذي تجاوز كل الحدود.
المغاربة يتحدثون عن معاناتهم مع غلاء الأسعار في بيوتهم وفي أماكن العمل وفي المقاهي والنوادي وفي كل مكان.
الحكومة تفضل وضعية: أذن من طين وأذن من عجين، وكأن الأمر لا يهمها في شيء.
المعارضة ترفع عقيرتها داخل البرلمان، لترفع الحرج عن نفسها، وهي تعلم أن الحكومة لا تعيرها أي اهتمام.
النقابات تكتفي بتدبيج البيانات النارية وتتوعد الحكومة بالويل والثبور وعظائم الأمور، وهي تعلم أن مصير تلك البيانات هو سلة المهملات. أما الأحزاب فقد أفلست وماتت ولم يعد لها دور يذكر.
لكن ما يثير العجب، هو الخرجة الإعلامية التي كان بطلها رئيس مجلس المنافسة، أحمد رحو، الذي قال خلال لقاء نظمه مجلسه مع وسائل الإعلام، بأن مؤسسته ” لن تتخذ أية مواقف بشأن ارتفاع الأسعار أو انخفاضها، ما لم يكن هذا التطور في الأسعار ناتجا عن استغلال تعسفي لوضع مهيمن أو اتفاق”. وهل هناك تعسف واستغلال أكثر من هذا الذي يعيشه المغاربة هذه الأيام؟
وأضاف رئيس مجلس المنافسة ب “أن القانون، في المغرب، ينص على أن أسعار المنتجات والسلع والخدمات (باستثناء قائمة أسعار المنتجات التي يحددها القانون، مثل الأدوية التي يتم تدبيرها) لا يمكن أن تخضع للتعديل إلا من خلال عملية العرض والطلب، وهو ما يعني، بشكل ملموس، أن “الأمر متروك للبائع أو الموزع للمنتج لإقرار الزيادة أو التخفيض في الأسعار”.
رسالة السيد أحمد رحو، من خلال خرجته هاته، واضحة ولا تحتاج إلى شيفرة وهي أن مجلس المنافسة لا يريد إحراج الحكومة، ولا يريد أن يتدخّل فيما لا يعنيه، فأثمان السلع تخضع لعملية العرض والطلب، ولمزاج البائع والموزع، وبالتالي لا يمكن لمجلس المنافسة أن يتدخّل. تبّا لمجلس يتقاضى أعضاؤه تعويضات مالية كبيرة من أموال دافعي الضرائب، ثم يصطف ضدهم.
يوم الخميس الماضي وبمناسبة اجتماع مجلس الحكومة، تطرق عزيز أخنوش إلى غلاء الأسعار، حيث “بشّر” المغاربة قاطبة، بأن أسعار الطماطم ستعرف انخفاضا ابتداء من الأسابيع القليلة القادمة، مع عودة درجات الحرارة الدنيا لمستواها الاعتيادي، مما سيساهم في نضج الإنتاج الوطني وتواجده بوفرة في الأسواق “. مشيرا إلى أن ارتفاع أسعار الطماطم في الأيام الأخيرة مرتبط أساسا بموجة البرد التي تعرفها البلاد”
أليس هذا الخطاب ضحك على الذقون؟ وكأن الطماطم هي وحدها التي عرفت ارتفاعا في ثمنها.
لقد أصبح عزيز أخنوش محترفا في بيع الوهم، فجلّ خطاباته السياسية مليئة بالكلام المكرّر والمملّ، والذي سمعه المغاربة عشرات المرات، ولم يعط جوابا شافيا لما يعانوه من فقر وبطالة.
ففي إحدى المرات صرح بأن حزب العدالة والتنمية هو سبب ارتفاع الأسعار، لأن أمينه العام عبد الإله بنكيران هو من قام بتحرير قطاع المحروقات، ولم يستطع توفير مخزون استراتيجي للمحروقات في السوق المغربية.
وتارة أخرى يربط أزمة ارتفاع الأسعار، بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتارة بتداعيات التغيّر المناخي وتبعات وباء كورونا، ثم في كل مرة يقول بأن وزراء حكومته عازمون على إصلاح ما تمّ إفساده، وذلك من خلال تنفيذ الالتزامات التي تمّ التعهد بها من خلال البرنامج الحكومي، وذلك بإطلاق سلسلة من البرامج والمشاريع الاجتماعية والتنموية الواعدة.
إلى يومنا هذا لم ير المغاربة شيئا من تلك الوعود.
وعودة إلى مجلس المنافسة، لا بد من التذكير بأن هذه المؤسسة التي تم إحداثها طبقا للدستور المغربي، وحدد لها دورها في إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.
لكن تبيّن مع مرور الوقت أن هذه المؤسسة لا تقوم بالدور المنوط لها، خاصة والمغاربة أحوج ما يكونون إلى من يساندهم ويقف إلى جانبهم في وجه اللوبيات التي تغتني من وراء هذه الأزمة.
المغرب يعيش احتقانا اجتماعيا بسبب ارتفاع الأسعار. ويبدو أن المغاربة قد نفد صبرهم، الشيء الذي أكدته دراسة ميدانية أنجزها مجلس النواب حول “القيم وتفعيلها المؤسسي” إلى وجود استعداد كبير لدى المغاربة للاحتجاج، والخروج إلى الشارع في المظاهرات وفي حملات مقاطعة المنتوجات. وهو ما ينذر بانفجار الوضع لا سمح الله.
فلاش: قال مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة اليوم الخميس إن الحكومة تقوم بإجراءات مهمة لمواجهة الغلاء، واعتبر خلال الندوة الصحافية الأسبوعية أن الحكومة ملتزمة بحماية القدرة الشرائية، كما أنها اتخذت بعض الإجراءات لتوفير اللحوم وخفض أسعارها من قبيل وقف استيفاء الرسوم الجمركية وتعليق الضريبة على القيمة المضافة، وهو ما سيظهر تأثيره في القريب، كما أنها اتخذت إجراءات بخصوص الحليب.
السيد الناطق الرسمي الحل بسيط جدا ولا يتطلب إلا إجراء واحدا فقط، هو بيد رئيسك في الحكومة، وهو بكل ببساطة إلغاء تحرير أسعار المحروقات والرجوع لتسقيفها كما كانت قبل أن يقوم عبقري عصره، عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة السابق، بتحريرها. فكفى من الضحك على المغاربة بكلام لا يغني ولا يسمن، فالشعب أصبح أذكى مما تظنون، وعما قريب سيخرج لينتزع حقوقه بأية وسيلة.