بقلم : ذ. فؤاد السعدي/المغرب
على الرغم من إقرار دستور 2011 لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ما زالت للأسف الشديد نفس الهفوات والإعطاب تتكرر، في ضل غياب رؤية إستراتيجية قادرة على وضع حد لكل هذا الفساد المتجدر في البلاد لكسب ثقة العباد.
فالحديث عن الفساد وما نتج عنه يحيلنا للتطرق إلى الأزمة التي يمر منها المغرب اليوم فيما يتعلق بالأمن الغذائي رغم الإمكانيات الضخمة التي تم رصدها لمخطط المغرب الأخضر سواء على المستوى المالي أو البشري أو المادي أو التنظيمي، واعتماده على مقاربة دعامتين أساسيتين، الأولى مرتبطة بالفلاحة ذات القيمة العالية، والثانية على الفلاحة التضامنية. هذه الأخيرة التي بات ضروريا فتح تحقيق شامل حول الصفقات المرتبطة بها من أجل التدقيق في المعايير والشروط التي حصل على إثرها المستفيدين المنخرطين في اطار تنظيمات مهنية ذات صفة تمثيلية، وكيف يتم تمرير صفقات وهمية ومنح دعم لأشخاص وهميين؟ وهل تم انجاز كل المشاريع المسطرة من طرف وكالة التنمية الفلاحية المديريات الإقليمية والمكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي؟ ولماذا لم تشكل وزارة الفلاحة والصيد البحري لجنة مختصة للتتبع وتقييم المشاريع المنجزة ومراجعة كل الملفات والصفقات في اطار حماية المال العام؟
فمن دون شك أن غياب تقارير واضحة متعلقة بعمليات التتبع ومراقبة المشاريع المنجزة أو تعقب مآل المنح والإعانات المقررة يطرح العديد من علامات الاستفهام، ويفتح الباب على مصرعيه للكثير من الاستفسارات والتكهنات حول الأسباب الحقيقية لغيابها. فهل لأن جميع المشاريع قد تم انجازها على أرض الواقع وفق ما كان مسطرا لها، أو هي رغبة جهات معينة لها مصلحة محددة في إخفاء الدليل الحقيقي على أن هذه المشاريع هي مجرد حبر على ورق؟ لأنه من باب المستحيل أن نقييم مخطط المغرب الأخضر في غياب أرقام وتقارير حقيقة تخص عددا من المشاريع سواء التي تم انجازها أو التي تعذر انجازها لأسباب أو لأخرى. كما لم يعد مقبولا اليوم التسليم بنجاح المخطط دون الحديث عن أعطابه، والعراقيل التي واجهت عملية تنزيله، وهل فعلا قيمة الميزانية الضخمة التي رصدت له تتناسب مع حجم المشاريع المنجزة على أرض الواقع؟ هو ما سنتطرق له لاحقا قي مقالاتنا القادمة وبالتفاصيل.
وهنا سنسلط الضوء على مشاريع السقى بالتنقيط على سبيل المثال لا الحصر على اعتبار أن دفتر التحملات المرتبطة بعملية صرف الاعانة تفرض على مقدم الطلب الحفاظ على الاستثمار وإبقائه في حالة وظيفية جيدة، لمدة خمس سنوات على الأقل، من تاريخ تقرير إنجاز العمل، ما يجعنا نتساءل، أليس غريبا أن لا تسجل مصالح المراقبة التابعة للوزارة الوصية أي مخالفة في هذا السياق؟ فالجواب على هذا الاستفسار يضعنا أمام احتمالين اثنين، إما ان الوزارة الوصية لا تريد أن تكلف نفسها عناء تتبع المشاريع وبالتالي التنصل من مسؤوليتها في حماية المال العام، وإما أن جهات من داخل الوزارة تسفيد من الميزانية المرصودة لهذه المشاريع وبالتالي تضطر لاستعمال “عين ميكا”. وفي كلتا الحالتين تبقى مسؤولية وزارة الفلاحة والصيد البحري قائمة وتستوجب المحاسبة.
مقولة “المال السيب كيعلم السرقة” تنطبق تماما على ما وقع من هدر للمال العام في اطار مخطط المغرب الأخضر. إذ لم يقتصر الأمر على تمرير صفقات وهمية فحسب، بل تعداه الى التلاعب في الإعانات المخصصة للمشاريع المندمجة في إطار صندوق التنمية الفلاحية، من خلال تضخيم مبالغ المشاريع ثلاث أضعاف عن قيمتها الحقيقية إلى غير ذلك منالخروقات والتجاوزات. ومع كل هذا العبث والتسيب
استمرت وزارة الفلاحة في إلتزام الصمت رغم تقرير المفتشية العامة للمالية الذي كشف عن مشاريع “مشبوهة” كلفت ملايين الدراهم من ميزانية صندوق التنمية الفلاحية،
بالإضافة الى الخروقات والتلاعبات التي شابت عملية توزيع المنح التي استفاد منها العشرات من الأشخاص لتنقية الأراضي من الأحجار ضمن مخططات التنمية الفلاحية المندمجة بمجموعة من الجهات الممول في إطار البرامج الجهوية لمخطط المغرب الأخضر.
تقييم مخطط المغرب الأخضر اليوم يستدعي عرض التقارير والارقام للوقوف على الاعطاب والإختلالات، لأن ذلك ضروريا لتحديد المسؤوليات. فإذا كان مخطط المغرب الأخضر لم يساهم في تحقيق الأمن الغذائي، ولم يحافظ على الفرشة المائية، ولم يُجنب المغاربة التضخم في أسعار المواد الغذائية، وإذا كان ثمن الطماطم والبصل قد أضحى أكبر من القدرة الشرائية لملايين المغاربة، وإذا كانت المؤسسات الرسمية للدولة تتحدث بشكل صريح أو ضمني عن أنه قاد البلاد إلى الكارثة، فالسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: متى يحين وقت المحاسبة؟