الصحافي فؤاد السعدي
قرارات الحكومة الأخيرة بشأن الدعم العمومي للصحافة تمثل انحرافًا خطيرًا عن جوهر حرية التعبير وتعددية الإعلام المكفولة دستوريًا. ما يحدث اليوم هو عبث واضح ينذر بتحول الصحافة إلى أداة بيد أقلية من أصحاب المصالح والنفوذ، سواء في السياسة أو الإعلام، على حساب المصلحة العامة وحق المواطنين في الوصول إلى إعلام مستقل ونزيه.
فالقرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة، ممثلة بوزير الشباب والثقافة والتواصل المهدي بنسعيد والوزير المنتدب لدى وزيرة المالية المكلف بالميزانية فوزي لقجع -الوزيران من حزب “البام” الذي يسعى أمينه العام السابق ووزير العدل الحالي عبد اللطيف وهبي تكميم افواه الصحفيين- عكست رؤية تختزل الدعم العمومي في خدمة الصحافة الحزبية والإعلام الموجه، متجاهلة بشكل صارخ الصحافة المستقلة، وخصوصًا الإلكترونية منها، التي تمثل اليوم الصوت الأكثر حيوية وقدرة على التعبير عن نبض الشارع والتفاعل مع قضاياه. فرض شروط تعجيزية، مثل تجاوز عتبة 90 مليون سنتيم كشرط للاستفادة من الدعم، لا يمكن تفسيره سوى كمحاولة متعمدة لتهميش المقاولات الصحفية الصغيرة والمتوسطة وإقصائها من المشهد الإعلامي.
هذا التوجه يفاقم وضعية الصحافة الإلكترونية التي تعاني أساسًا من نقص الموارد وضعف التمويل. هذه القرارات تعكس انحيازًا واضحًا نحو المؤسسات الإعلامية الحزبية والموجهة، التي لا تضيف سوى المزيد من الضبابية والتضليل في المشهد الإعلامي، وتُقصي الصحافة التي تسعى لتقديم محتوى موضوعي ومستقل.
الدعم الذي يفترض أن يكون أداة لدعم تنوع الإعلام ومهنيته تحول إلى وسيلة لتمويل أجندات سياسية ضيقة، تخدم مصالح الأحزاب الكبرى وبعض الشخصيات السياسية ذات النفوذ، بما في ذلك رئيس الحكومة. هذه السياسة لا تهدف فقط إلى الهيمنة الإعلامية، بل تسعى أيضًا لإعادة إحياء الصحافة الحزبية التي باتت خارج السياق، وفقدت مصداقيتها وشعبيتها.
والأكثر إثارة للقلق هو تجاهل الحكومة للانتقادات والمطالبات العديدة من التنظيمات والجمعيات الصحفية، التي أكدت مرارًا على أهمية توجيه الدعم نحو المقاولات الصغيرة والمتوسطة، ودعم المشاريع الإعلامية الشبابية. هذه المؤسسات تحتاج إلى دعم حقيقي لتستمر في أداء دورها كوسيط بين المواطن وصانع القرار، ولتمكينها من نقل الحقيقة بموضوعية بعيدًا عن الضغوط السياسية.
إن اختزال الدعم العمومي لصالح مؤسسات إعلامية تخدم الأجندات الحزبية يهدد حرية الصحافة في المغرب، ويفرض قيودًا غير مباشرة على الصحفيين الذين يرفضون أن يتحولوا إلى أدوات للترويج أو الدعاية. لتكون النتيجة في الأخير هي إعلام أحادي الصوت، بعيد عن التعددية التي يفترض أن تكون ركيزة أساسية لأي نظام ديمقراطي.
وبالتالي فاستمرار الحكومة في هذا النهج، هو بمثابة تراجع كارثي في حرية التعبير، واعلان صريح عن تحول الإعلام إلى ساحة تخدم مصالح فئة محدودة، تاركة المواطن في عتمة التوجيه الأحادي والانحياز. إن ما نحتاجه اليوم هو إصلاح حقيقي للدعم العمومي، يضمن العدالة والتوازن، ويكرس إعلامًا يخدم الشعب لا السلطة.